للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي بِهِ إِلَى الرَّسُولِ، فَجَعَلَ أَخْذَهُ وَأَخْذَ الْمَلَكِ الَّذِي جَاءَ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ، وَادَّعَى أَنَّ أَخْذَهُ عَنِ اللَّهِ أَعْلَى مِنْ أَخْذِ الرَّسُولِ لِلْقُرْآنِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ. قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ جِنْسِهِ. وَالْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - حم - تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: ١ - ٢] وَكَذَا قَوْلُهُ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧] .

وَأَيْضًا الْكُلَّابِيَّةُ يَقُولُونَ: أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ مُوسَى سَمِعَ جَمِيعَ الْمَعْنَى، فَقَدْ سَمِعَ جَمِيعَ كَلَامِ اللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ بَعْضَهُ فَقَدْ تَبَعَّضَ، وَكِلَاهُمَا يُنْقَضُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مَا يَسْمَعُهُ مُوسَى وَالْمَلَائِكَةُ هُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كُلُّهُ، كَانَ كُلٌّ مِنْ مُوسَى وَالْمَلَائِكَةِ سَمِعَ جَمِيعَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامُهُ مُتَضَمِّنٌ لِجَمِيعِ خَبَرِهِ وَجَمِيعِ أَمْرِهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ أَخْبَارِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، إِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يَسْمَعُ بَعْضَهُ فَقَدْ تَبَعَّضَ كَلَامُهُ، وَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِمْ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا - وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ - وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا - فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: ١٦٤ - ١٣] الْآيَاتُ دَلِيلٌ عَلَى تَكْلِيمٍ يَسْمَعُهُ مُوسَى، وَالْمَعْنَى الْمُجَرَّدُ لَا يُسْمَعُ بِالضَّرُورَةِ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ يَسْمَعُ فَهُوَ مُكَابِرٌ، وَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ نَادَاهُ وَالنِّدَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا صَوْتًا مَسْمُوعًا فَلَا يُعْقَلُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَفْظُ النِّدَاءِ لِغَيْرِ صَوْتٍ مَسْمُوعٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا مُوسَى فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ، وَلَا أَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: " يَا مُوسَى، أَنَا فَوْقَكَ، وَعَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَأَنَا أَمَامَكَ، وَعَنْ وَرَائِكَ " فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهِي؟ أَفَكَلَامَكَ أَسْمَعُ أَمْ كَلَامَ رَسُولِكَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>