الدَّلِيلُ عَلَى إِعَادَتِهَا فَكَذَا أَعْرَاضُهَا، وَمَا قِيلَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ قِيَامُ الْعَرَضِ، يَعْنِي الْإِعَادَةَ بِالْعَرَضِ الْمُعَادِ، وَهُوَ مُحَالٌ، فَبَاطِلٌ لِإِمْكَانِ تَعَلُّقِ الْإِعَادَةِ بِالْأَعْيَانِ أَوَّلًا، وَبِالذَّاتِ وَبِالْأَعْرَاضِ ثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ، هَذَا كُلُّهُ أَنْ لَوْ قُلْنَا بِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ، فَكَيْفَ وَنَحْنُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ بِالْمَحْسُوسِ وَغَيْرِهِ كَلَيْلٍ حَالِكٍ، وَحَرَكَةٍ بَطِيئَةٍ، وَأَحْمَرَ قَانٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ بِمَنْعِ إِعَادَةِ الْأَعْرَاضِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى امْتِنَاعِ إِعَادَةِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لَا تَبْقَى كَالْأَصْوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ؛ لِاخْتِصَاصِهَا عِنْدَهُمْ بِالْأَوْقَاتِ، وَقَسَّمُوا الْبَاقِيَةَ إِلَى مَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ فَمَنَعُوا إِعَادَتَهَا، وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ فَجُوَّزُوا إِعَادَتَهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ، وَالْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ:
الَّذِي عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ تِلْكَ الْأَجْسَادَ الدُّنْيَوِيَّةَ تُعَادُ بِأَعْيَانِهَا، وَبِأَعْرَاضِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ - مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ عِنْدَ مُتَكَلِّمِي الْأَشْعَرِيَّةِ كَالسَّعْدِ، وَالْبَيْضَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.
قُلْتُ:
وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ آخِرِهِمُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الْأَجْسَادَ الدُّنْيَوِيَّةَ تُعَادُ بِأَعْيَانِهَا وَأَعْرَاضِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[النفخ في الصور]
وَأَمَّا النَّفْخُ فِي الصُّورِ فَالْمُرَادُ بِهِ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ ثَلَاثُ نَفْخَاتٍ:
نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَهِيَ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا هَذَا الْعَالَمُ، وَيَفْسُدُ نِظَامُهُ، وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: ١٥] أَيْ: مِنْ رُجُوعٍ وَمَرَدٍّ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨] فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ الْمُسْتَثْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَنْ ثَبَّتَ اللَّهُ قَلْبَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَزَعُ لِشِدَّةِ مَا يَقَعُ مِنْ هَوْلِ تِلْكَ النَّفْخَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، وَأَبُو مُوسَى الْمَدَنِيُّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ الطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ ". قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ:
الْقَرْنُ، قُلْتُ أَيُّ شَيْءٍ