للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» ". وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا " «يَبْعَثُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسًا فِي صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ فَيُقَالُ مَا هَؤُلَاءِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ؟ فَيُقَالُ:

هَؤُلَاءِ الْمُتَكَبِّرُونَ فِي الدُّنْيَا» ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا " «يُجَاءُ بِالْجَبَّارِينَ، وَالْمُتَكَبِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِجَالٌ فِي صُورَةِ الذَّرِّ تَطَؤُهُمُ النَّاسُ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَارِ الْأَنْيَارِ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نَارُ الْأَنْيَارِ؟ " قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:

" «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَهُوَ الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ مَنَاكِيرُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ قَالَ كُلُّ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الْمُرَادَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا: أَيْ فِي أَعْمَالِهِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ، وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ:

يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.

قَالَ:

وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْأَكْفَانِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنَّمَا يُكَفَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ. انْتَهَى.

قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، وَفِعْلُ أَبِي سَعِيدٍ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، «وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا» ، وَفِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهَا: «إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ عُرَاةً» . فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَحَمَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَدِيثَ عَلَى الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا، وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ فِي الشُّهَدَاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:

يُجْمَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضَهُمْ بِثِيَابِهِ، أَوْ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ بِثِيَابِهِمُ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا تَتَنَاثَرُ عَنْهُمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَشْرِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

«يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ صَنِيعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» .

وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَبْضِ شِمَالِهِ بِيَمِينِهِ، وَالِانْحِنَاءِ هَكَذَا.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ: يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.

نَقَلَهُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ الذِّكْرِ وَالِانْكِسَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ:

[الوقوف للحساب]

(كَذَا وُقُوفُ الْخَلْقِ لِلْحِسَابِ ... وَالصُّحْفُ وَالْمِيزَانُ لِلثَّوَابِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>