للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَذَا) أَيْ: كَمَا يَجِبُ الْجَزْمُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحَشْرِ بَعْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ يَجِبُ أَنْ نَجْزِمَ جَزْمًا بَاتًّا بِأَمْرِ (وُقُوفِ الْخَلْقِ) مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ تَعَالَى {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٤٧] وَقَالَ {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء: ٨٧] وَقَالَ {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: ١٨] أَيْ زُمَرًا زُمَرًا.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَإِنْسَانٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: ٥] يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الذُّبَابُ لَيُحْشَرُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ الشَّخْصُ أَيْنَ يَضَعُ قَدَمَهُ لِشِدَّةِ الزِّحَامِ.

وَفِي تَفْسِيرِ مَكِّيٍّ: يُحْشَرُ الْخَلْقُ مِنْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَإِنْسَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُمْ فِي ضِيقِ مَقَامِهِمْ فِيهَا كَضِيقِ سِهَامٍ اجْتَمَعَتْ فِي كِنَانَتِهَا، فَالسَّعِيدُ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَجِدُ لِقَدَمِهِ مَقَامًا.

قَالَ: وَأَكْثَرُ الْأَقْدَامِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:

إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ صَرَخَتِ الْحِجَارَةُ صُرَاخَ النِّسَاءِ، وَقَطَرَتِ الْعِضَاةُ دَمًا. وَاعْلَمْ أَنَّ لِيَوْمِ الْوُقُوفِ أَهْوَالًا عَظِيمَةً، وَشَدَائِدَ جَسِيمَةً تُذِيبُ الْأَكْبَادَ وَتُذْهِلُ الْمَرَاضِعَ، وَتُشَيِّبُ الْأَوْلَادَ، وَهُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، قِيلَ لِكَوْنِ النَّاسِ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [المعارج: ٤٣] . وَقِيلَ: لِوُجُودِ أُمُورِ الْمَحْشَرِ وَالْوُقُوفِ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ.

وَقِيلَ: لِقِيَامِ النَّاسِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦] قَالَ يَقُومُ النَّاسُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ.

وَيُرْوَى عَنْ كَعْبٍ: يَقُومُونَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " « {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦] مِقْدَارُ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا فَيُهَوَّنُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>