للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيُحَاسَبُونَ» " وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَغَيْرُهُ.

وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ فَقَالَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُتَهَجِّدِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وَذُكِرَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جَاءَ مُنَادٍ يُنَادِي بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ:

«سَيَعْلَمُ الْخَلَائِقُ الْيَوْمَ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ» " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ:

وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ قَوْلِهِ، وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَيُرْوَى نَحْوُهُ أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَرَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ وَالْحَسَنِ وَكَعْبٍ مِنْ قَوْلِهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ:

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قِيَامُ اللَّيْلِ يُهَوِّنُ طُولَ قِيَامِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ أَهْلُهُ يَسْبِقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَقَدِ اسْتَرَاحَ أَهْلُهُ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ لِلْحِسَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الصحف]

وَلَمَّا أَنْهَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحِسَابِ بِحَسْبِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ ثَنَّيْنَا الْعَطْفَ عَلَى شَرْحِ الصُّحُفِ وَالْمِيزَانِ الْمُشَارِ إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ((وَ)) كَذَا وُقُوفُ الْخَلْقِ لِأَخْذِ ((الصُّحُفُ)) جَمْعُ صَحِيفَةٍ، وَهِيَ الْكُتُبُ كَتَبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، وَأَحْصَوْا مَا فَعَلَهُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ سَائِرِ أَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، وَقِيلَ هِيَ صُحُفٌ تَكْتُبُهَا الْعِبَادُ فِي قُبُورِهَا قَالَ تَعَالَى:

{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: ١٠] قَالَ الثَّعْلَبِيُّ:

أَيِ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ نُشِرَتْ لِلْحِسَابِ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِالصُّحُفِ إِلْزَامًا لِلْعِبَادِ، وَرَفْعًا لِلْجَدَلِ وَالْعِنَادِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء: ١٣] قَالَ الْعُلَمَاءُ:

مَعْنَى (طَائِرَهُ) عَمَلُهُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مَعَهُ لَا يُفَارِقُهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: ١٠ - ٨] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء: ٧١] وَالْفَتِيلُ هُوَ الْقِشْرُ الَّذِي فِي شَقِّ النَّوَاةَ، وَهَذَا يُضْرَبُ مَثَلًا لِلشَّيْءِ الْحَقِيرِ.

وَذَكَرَ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَتِيلِ الْوَسَخُ الَّذِي يَظْهَرُ بِفَتْلِ الْإِنْسَانِ إِبْهَامَهُ بِسَبَّابَتِهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةَ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ:

وَإِنَّمَا خَصَّ الْقِرَاءَةَ بِمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ دُونَ مَنْ أُوتِيَهُ بِشِمَالِهِ لِأَنَّ أَهْلَ الشِّمَالِ إِذَا طَالَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>