كِتَابَهُمْ وَجَدُوهُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُهْلِكَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَالْقَبَائِحِ الْكَامِلَةِ فَيَتَوَلَّى الْخَوْفُ وَالدَّهَشُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَيَثْقُلُ لِسَانُهُمْ، وَيَعْجِزُونَ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْكَامِلَةِ بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُمْ إِذَا طَالَعُوا صُحُفَ حَسَنَاتِهِمْ، وَجَدُوهَا عَلَى الْكَمَالِ فَيَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْأَحْوَالِ وَأَتَمِّهَا، ثُمَّ لَمْ يَقْنَعْ أَحَدٌ بِقِرَاءَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لِأَهْلِ الْمَحْشَرِ:
{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: ١٩]- كَمَا قَالَ الْفَخْرُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ تَعَالَى:
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا - وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ - فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا - وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: ١٠ - ١٢] .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَشْرَ الصُّحُفِ وَأَخْذَهَا بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَعَقَدَ الْقَلْبُ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" «الْكُتُبُ كُلُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا فَتُطَيِّرُهَا بِالْأَيْمَانِ وَالشَّمَائِلِ» "، أَوَّلُ خَطٍّ فِيهَا {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: ١٤] " قَالَ قَتَادَةُ:
سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا، وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا: " «عُنْوَانُ كِتَابِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ» ".
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ» .
" وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: " «وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ فَتَطَايُرُ الْكُتُبِ فِي الْأَيْمَانِ وَالشَّمَائِلِ» ".
قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: الْجِدَالُ لِلْأَعْدَاءِ يُجَادِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا جَادَلُوا نَجَوْا أَوْ قَامَتْ حُجَّتُهُمْ، وَالْمَعَاذِيرُ لِلَّهِ يَعْتَذِرُ إِلَى آدَمَ وَإِلَى أَنْبِيَائِهِ، وَيُقِيمُ حُجَّتَهُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَالْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْعَرْضُ الْأَكْبَرُ يَخْلُو بِهِمْ فَيُعَاتِبُ مَنْ يُرِيدُ عِتَابَهُ فِي تِلْكَ الْخَلَوَاتِ حَتَّى يَذُوقَ وَبَالَ