اللَّهِ، لَكِنَّ الْمُخْبِرَ وَإِنْ جَزَمَ بِصِدْقِ الْمُخْبَرِ فَقَدْ لَا يَتَصَوَّرُ الْمُخْبَرُ بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَتَصَوَّرُهُ إِذَا عَايَنَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ قَلْبُهُ مَشْغُولًا عَنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْخَبَرِ فَهَذَا التَّصْدِيقُ أَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ.
الْخَامِسُ:
أَنَّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ مِثْلُ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَجَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هِيَ كُلُّهَا مِنَ الْإِيمَانِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ وَاتِّفَاقُ السَّلَفِ، وَهَذَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِيهِ تُفَاضُلًا ظَاهِرًا.
السَّادِسُ:
الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ مَعَ الْبَاطِنَةِ هِيَ أَيْضًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ بِهَا.
السَّابِعُ:
ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِقَلْبِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَاسْتِحْضَارُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ غَافِلًا عَنْهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ صَدَّقَ بِهِ وَغَفَلَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْغَفْلَةَ تُنْقِصُهُ، وَكَمَالُ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقُ وَالذِّكْرُ وَالِاسْتِحْضَارُ يُكْمِلُ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ ; وَلِهَذَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ وَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَتِلْكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسِينَا وَضَيَّعْنَا فَتِلْكَ نُقْصَانُهُ.
الثَّامِنُ:
قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُكَذِّبًا وَمُنْكِرًا لِأُمُورٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِهَا وَأَمَرَ بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يُكَذِّبْ وَلَمْ يُنْكِرْ بَلْ قَلْبُهُ جَازِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ إِلَّا بِصِدْقٍ، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ يَسْمَعُ الْآيَةَ، وَالْحَدِيثَ، أَوْ يَتَدَبَّرُ ذَلِكَ، أَوْ يُفَسَّرُ لَهُ مَعْنَاهُ، أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَيُصَدِّقُ بِمَا كَانَ مُكَذِّبًا بِهِ، وَيَعْرِفُ مَا كَانَ مُنْكِرًا لَهُ، وَهَذَا تَصْدِيقٌ جَدِيدٌ وَإِيمَانٌ جَدِيدٌ ازْدَادَ بِهِ إِيمَانُهُ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ كَافِرًا بَلْ جَاهِلًا، وَهَذَا وَإِنْ أَشْبَهَ الْمُجْمَلَ وَالْمُفَصَّلَ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمُجْمَلِ قَدْ يَكُونُ قَلْبُهُ سَلِيمًا عَنْ تَكْذِيبِ وَتَصْدِيقِ شَيْءٍ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute