للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى.

وَقَالَ الْجَلَالُ الدَّوَّانِيُّ هُوَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَبِشَهَادَةِ نُصُوصِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ - وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ - قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٧ - ٧٩] .

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «جَاءَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، يُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَمَّ؟ قَالَ " نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحَيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ " فَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ يس {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ} [يس: ٧٧] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ» .

وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ يَقْلَعُ عِرْقَ التَّأْوِيلِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: الْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ نَفْيِ الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ التَّصْرِيحُ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ أَصْلًا. انْتَهَى.

وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَلَى مَا يَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَيْنَ الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ لِأَنَّ النُّفُوسَ النَّاطِقَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَتَسْتَدْعِي جَمِيعًا أَبْدَانًا غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَأَمْكِنَةً غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَقَدْ ثَبَتَ تَنَاهِي الْأَبْعَادِ بِالْبُرْهَانِ وَبِاعْتِرَافِهِمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَ " ثُمَّ " فِي الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا ثُمَّ يُمِيتُكَ» " لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ لَا لِلتَّرْتِيبِ الْحُكْمِيِّ كَقَوْلِهِمْ بَلَغَنِي مَا صَنَعْتَ الْيَوْمَ ثُمَّ مَا صَنَعْتَ أَمْسِ أَعْجَبُ أَيْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مَا صَنَعْتَهُ أَمْسِ أَعْجَبُ.

وَأَمَّا النُّشُورُ فَهُوَ يُرَادِفُ الْبَعْثَ فِي الْمَعْنَى، يُقَالُ نُشِرَ الْمَيِّتُ يُنْشَرُ نُشُورًا إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ أَيْ أَحْيَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يَوْمُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.

وَأَمَّا الْحَشْرُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ، تَقُولُ حَشَرْتُ النَّاسَ إِذَا جَمَعْتُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ جَمْعُ أَجْزَاءِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ التَّفْرِقَةِ ثُمَّ إِحْيَاءُ الْأَبْدَانِ بَعْدَ مَوْتِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَزْمُ شَرْعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ جَمِيعَ الْعِبَادِ وَيُعِيدُهُمْ بَعْدَ إِيجَادِهِمْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْبَقَاءُ مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ إِلَى آخِرِهِ وَيَسُوقُهُمْ إِلَى مَحْشَرِهِمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>