للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِيمَا يَشْفَعُ فِيهِ، وَكَانَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ إِذْ جَعَلَهُ مُمَاثِلًا، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ فِي نَفْسِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالصَّمَدُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَيْرُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ ضِدًّا لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ نَقِيضًا أَوْ خِلَافًا فَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ ((فَكُلُّ نَقْصٍ)) مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا ((قَدْ تَعَالَى)) وَتَنَزَّهَ ((اللَّهُ عَنْهُ)) لِأَنَّ لَهُ الْكَمَالَ الْمُطْلَقَ فَكُلُّ كَمَالٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى نَقْصٍ مَا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ فَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ((فَيَا بُشْرَى)) نَادَى الْبُشْرَى بِشَارَةً ((لِ)) كُلِّ ((مَنْ)) أَيْ شَخْصٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، قَدْ ((وَالَاهُ)) اللَّهُ، أَوْ قَدْ وَالَى هُوَ اللَّهَ، أَيِ اتَّخَذَ وَلِيًّا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَمُفَوِّضًا جَمِيعَ أُمُورِهِ إِلَيْهِ، مَعَ اقْتِفَائِهِ الْمَأْثُورَ وَاتِّبَاعِهِ لِلرَّسُولِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِنَفْسِهِ وَلِسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ هَذَا أَوَانُ حُصُولِ الْبُشْرَى لَكُمْ، أَوْ يَا بُشْرَى أَقْبِلِي وَتَعَالِي فَهَذَا أَوَانُكِ، وَإِنَّمَا نَوَّهَ بِالْبُشْرَى لِمَنْ وَالَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِظَمِ ذَلِكَ وَخَطَرِهِ وَدُخُولِهِ فِي حِصْنِ وِلَايَتِهِ وَمَحَلِّ نَظَرِهِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنَتْهُ بِالْحَرْبِ» " الْحَدِيثَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ " «مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدِ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي» "، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» "

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ " «إِنَّ يَسِيرَ الرِّئَاءِ شِرْكٌ، وَإِنَّ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ وَالْأَتْقِيَاءَ وَالْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا، مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ» "، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ - لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: ٦٢ - ٦٤] فَالنَّاظِمُ اقْتَبَسَ مِنَ الْآيَةِ الْبِشَارَةَ لِأَهْلِ الْوَلَايَةِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>