للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَقَالَ: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: ١٦٦] ، وَهُوَ هَذَا الْكِتَابُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي هُوَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً، أَوَّلُهَا الْفَاتِحَةُ، وَآخِرُهَا قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَتْلُوٌّ فِي الْمَحَارِيبِ، مَسْمُوعٌ بِالْآذَانِ، مَتْلُوٌّ بِالْأَلْسُنِ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ وَأَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ - تَعَالَى.

وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقَدِيمَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَعَدَّدُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - مُتَعَدِّدَةٌ، قَالَ - تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: ١٨٠] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» "، وَهِيَ قَدِيمَةٌ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَرَ. وَكَذَا كُتُبُ اللَّهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهِيَ كَلَامُ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُو عَدَدٍ، وَأَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ - تَعَالَى. وَقَدْ عَدَّ الْأَشْعَرِيُّ صِفَاتِ اللَّهِ سَبْعَ عَشْرَةَ صِفَةً، بَيَّنَ أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالسَّمْعِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لَمْ يَلْزَمْ بِدُخُولِ الْعَدَدِ فِي الْحُرُوفِ شَيْءٌ.

قَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْقُرْآنُ كَيْفَ تَصَرَّفَ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَلَا نَرَى الْقَوْلَ بِالْحِكَايَةِ وَالْعِبَارَةِ. وَغَلِطَ مَنْ قَالَ بِهِمَا وَجَهِلَهُ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ، فَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ. قَالَ: وَقَوْلُهُ - تَعَالَى: {تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] يُبْطِلُ الْحِكَايَةَ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. قَالَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونُ حُرُوفًا يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي أَصْلِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَمَا أَنَّ اتِّفَاقَ الْبَصَرِ فِي أَنَّهُ إِدْرَاكُ الْمُبْصَرَاتِ، وَالسَّمْعُ فِي أَنَّهُ إِدْرَاكُ الْمَسْمُوعَاتِ، وَالْعِلْمُ فِي أَنَّهُ إِدْرَاكُ الْمَعْلُومَاتِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَذَلِكَ هَذَا. وَأَيْضًا يَلْزَمُهُمْ إِنْ نَفَوْا هَذِهِ الصِّفَةَ لِكَوْنِ هَذَا تَشْبِيهًا، أَنْ يَنْفُوا سَائِرَ الصِّفَاتِ مِنَ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْحُرُوفَ تَحْتَاجُ إِلَى مَخَارِجَ وَأَدَوَاتٍ، فَالْجَوَابُ أَنَّ احْتِيَاجَهَا إِلَى ذَلِكَ فِي حَقِّنَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ رَبِّنَا، تَعَالِي عَنْ ذَلِكَ.

عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى مَخَارِجَ فِي كَلَامِهَا، كَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَالْجُلُودِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْحَجَرِ الَّذِي سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَصَى الَّذِي سَبَّحَ فِي كَفِّهِ، وَالذِّرَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>