للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبَدًا، وَالْمُكَوَّنُ حَادِثٌ بِحُدُوثِ التَّعَلُّقِ كَمَا فِي الْحِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ مُتَعَلِّقَاتِهَا لِكَوْنِ تَعَلُّقَاتِهَا حَادِثَةً، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا يُقَالُ إِنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لَزِمَ تَعْطِيلُ الصَّانِعِ وَاسْتِغْنَاءُ الْحَوَادِثِ عَنِ الْمُوجِدِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ تَعَلَّقَ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ ذَلِكَ قِدَمَ مَا يَتَعَلَّقُ وَجُودُهُ بِهِ فَيَلْزَمُ قِدَمُ الْعَالَمِ وَهُوَ بَاطِلٌ، أَوْ لَا فَلْيَكُنِ التَّكْوِينُ أَيْضًا قَدِيمًا مَعَ حُدُوثِ الْمُكَوَّنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ.

وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ بِتَعَلُّقِ وُجُودِ الْمُكَوَّنِ بِالتَّكْوِينِ قَوْلٌ بِحُدُوثِهِ، إِذِ الْقَدِيمُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِالْغَيْرِ، وَالْحَادِثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَمَنْظُورٌ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثُ بِالذَّاتِ عَلَى مَا يَقُولُ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَالْحَادِثُ مَا لِوُجُودِهِ بِدَايَةٌ أَيْ يَكُونُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَالْقَدِيمُ بِخِلَافِهِ، وَمُجَرَّدُ تَعَلُّقِ وَجُودِهِ بِالْغَيْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى الْغَيْرِ، صَادِرًا عَنْهُ، دَائِمًا بِدَوَامِهِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَلَاسِفَةُ فِيمَا ادَّعَوْا قِدَمَهُ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ كَالْهَيُولَى مَثَلًا، نَعَمْ إِذَا أَثْبَتْنَا صُدُورَ الْعَالَمِ مِنَ الصَّانِعِ بِالِاخْتِيَارِ دُونَ الْإِيجَابِ بِدَلِيلٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ، كَانَ الْقَوْلُ بِتَعَلُّقِ وُجُودِهِ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلًا بِحُدُوثِهِ.

وَمِنْ هُنَا يُقَالُ إِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى زَعْمِ قِدَمِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ كَالْهَيُولَى، وَإِلَّا فَهُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ بِقِدَمِهَا بِمَعْنَى عَدَمِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ لَا بِمَعْنَى عَدَمِ تَكَوُّنِهِ بِالْغَيْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّكْوِينُ بِدُونِ (وُجُودِ) الْمُكَوَّنِ، وَأَنَّ وِزَانَهُ مَعَهُ وِزَانُ الضَّرْبِ مَعَ الْمَضْرُوبِ، فَإِنَّ الضَّرْبَ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمُتَضَايِفَيْنِ أَعْنِي الضَّارِبَ وَالْمَضْرُوبَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّكْوِينَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ هِيَ مَبْدَأُ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ إِخْرَاجُ الْمَعْدُومِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ لَا عَيْنُهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَيْنُهَا عَلَى مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةٍ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، لَكَانَ الْقَوْلُ بِتَحَقُّقِهَا بِدُونِ الْمُكَوَّنِ مُكَابَرَةً وَإِنْكَارًا لِلضَّرُورَةِ، فَلَا يَنْدَفِعُ بِمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الضَّرْبَ مُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ، فَلَا بُدَّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَفْعُولِ وَوُصُولِ الْأَلَمِ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ، إِذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَانْعَدَمَ كَذَا قِيلَ.

وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَارِي فَإِنَّهُ أَزَلِيٌّ (وَاجِبُ) الدَّوَامِ يَبْقَى إِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَفْعُولِ، فَالتَّكْوِينُ غَيْرُ الْمُكَوَّنِ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُغَايِرُ الْمَفْعُولَ بِالضَّرُورَةِ كَالضَّرْبِ مَعَ الْمَضْرُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>