بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَاقِعٌ بِهَا قَطْعًا، لَكِنَّهُ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَقْدِيرًا وَخَلْقًا، فَإِنَّهُ وَقَعَ بِفِعْلِ اللَّهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ، وَلَيْسَتِ الْقُدْرَةُ فِعْلًا لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لَهُ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُ - تَعَالَى - وَخَلْقٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ مَوْقِعُ الْفِعْلِ خَلْقًا لِلَّهِ فَالْوَاقِعُ بِهِ مُضَافٌ خَلْقًا إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَقْدِيرًا، وَقَدْ مَلَّكَ اللَّهُ الْعَبْدَ اخْتِيَارًا يُصَرِّفُ بِهِ الْقُدْرَةَ، فَإِذَا أَوْقَعَ بِالْقُدْرَةِ شَيْئًا آلَ الْوَاقِعُ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَقَعَ بِفِعْلِ اللَّهِ.
وَلَوِ اهْتَدَتْ إِلَى هَذَا الْفِرْقَةُ الضَّالَّةُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ خِلَافٌ، وَلَكِنَّهُمُ ادَّعَوُا اسْتِبْدَادًا بِالِاخْتِرَاعِ وَانْفِرَادًا بِالْخَلْقِ وَالِابْتِدَاعِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، قَالَ: وَنُبَيِّنُ تَمَيُّزَنَا عَنْهُمْ بِتَفْرِيعِ الْمَذْهَبَيْنِ، فَإِنَّا لَمَّا أَضَفْنَا فِعْلَ الْعَبْدِ إِلَى تَقْدِيرِ الْإِلَهِ؛ قُلْنَا: أَحْدَثَ اللَّهُ الْقُدْرَةَ فِي الْعَبْدِ عَلَى أَقْدَارٍ أَحَاطَ بِهَا عِلْمًا، وَهَيَّأَ أَسْبَابَ الْفِعْلِ، وَسَلَبَ الْعَبْدَ الْعِلْمَ بِالتَّفَاصِيلِ، وَأَرَادَ مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَ، فَأَحْدَثَ فِيهِ دَوَاعِيَ مُسْتَحْسَنَةً وَخِيَرَةً وَإِرَادَةً، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَفْعَالَ سَتَقَعُ عَلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي اخْتَرَعَهَا لِلْعَبْدِ عَلَى مَا عَلِمَ وَأَرَادَ، فَاخْتِيَارُهُمْ وَاتِّصَافُهُمْ بِالْأَقْدَارِ، وَالْقُدْرَةُ خَلْقُ اللَّهِ ابْتِدَاءً، وَمَقْدُورُهَا مُضَافٌ إِلَيْهِ مَشِيئَةً وَعِلْمًا وَقَضَاءً وَخَلْقًا وَفِعْلًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَتِيجَةُ مَا انْفَرَدَ بِخَلْقِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَ مَقْدُورِهَا لَمَا أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمَا هَيَّأَ أَسْبَابَ وُقُوعِهِ، وَمَنْ هُدِيَ لِهَذَا اسْتَمَرَّ لَهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، فَالْعَبْدُ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ مُطَالَبٌ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ، وَفِعْلُهُ تَقْدِيرٌ لِلَّهِ مُرَادٌ لَهُ خَلْقٌ مَقْضِيٌّ. قَالَ: وَنَحْنُ نَضْرِبُ فِي ذَلِكَ مَثَلًا شَرْعِيًّا يَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ، فَنَقُولُ: الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلَوِ اسْتَبَدَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ فَبَاعَهُ نَفَذَ، وَالْبَيْعُ فِي التَّحْقِيقِ مَعْزُوٌّ إِلَى السَّيِّدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ سَبَبَهُ إِذْنُهُ، وَلَوْلَا إِذْنُهُ لَمْ يَنْفُذِ التَّصَرُّفُ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يُؤْمَرُ بِالتَّصَرُّفِ، وَيُنْهَى وَيُوَبَّخُ عَنِ الْمُخَالَفَةِ، وَيُعَاقِبُ، فَهَذَا وَاللَّهِ الْحَقُّ الَّذِي لَا غِطَاءَ دُونَهُ، وَلَا مِرَاءَ فِيهِ لِمَنْ رَعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ.
وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الضَّالَّةُ فَإِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا انْفِرَادَ الْعَبْدِ بِالْخَلْقِ ثُمَّ صَارُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَصَى فَقَدِ انْفَرَدَ بِخَلْقِهِ فِعْلَهُ، وَالرَّبُّ كَارِهٌ. فَكَانَ الْعَبْدُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ الْفَاسِدِ مُزَاحِمًا لِرَبِّهِ فِي التَّدْبِيرِ مُوْقِعًا مَا أَرَادَ إِيقَاعَهُ شَاءَ الرَّبُّ، أَوْ كَرِهَ؟ إِلَى هُنَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّظَامِيَّةِ بِلَفْظِهِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ كَذَلِكَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute