للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُحْصِي إِلَّا بِكُلْفَةٍ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ، {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: ١٥] ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: ٥٨] ((وَلَيْسَ)) يُوجَدُ ((مَخْلُوقٌ)) مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَيَبْقَى ((بِغَيْرِ رِزْقٍ)) فَظَهَرَ فَسَادُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَسَّمَ بَيْنَ الْخَلْقِ مَعَايِشَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَرَامَ مَعِيشَةٌ لِبَعْضِ الْأَنَامِ، وَاللَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ((وَمَنْ يَمُتْ)) مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ((بِقَتْلِهِ)) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ ((مِنَ الْبَشَرِ)) مُحَرَّكَةٌ: الْإِنْسَانُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا، وَقَدْ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ أَبْشَارًا وَقَدَّمَهُ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِأَحْوَالِهِ ; وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ((أَوْ غَيْرِهِ)) مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا قُتِلَ مِنْهَا لَيْسَ كَذَلِكَ ((فَـ)) مَوْتُهُ ((بِالْقَضَاءِ)) أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ لُغَةً: الْحُكْمُ، وَعُرْفًا: إِرَادَةُ اللَّهِ الْأَزَلِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَزَالُ ((وَالْقَدَرِ)) بِتَحَرِّيكِ الدَّالِّ وَتُسَكَّنُ، مَصْدَرُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ بِفَتْحِ الدَّالِّ، مُخَفَّفَةً؛ إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ، وَ " أَلْ " فِيهِ وَفِي الْقَضَاءِ عِوَضٌ عَنْ مُضَافٍ إِلَيْهِ، أَيْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِذَلِكَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ: تَحْدِيدُهُ - تَعَالَى - أَزَلًا كُلَّ مَخْلُوقٍ بِحَدِّهِ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ، وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَمَا يَحْوِيهِ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ وَعِصْيَانٍ وَثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَغُفْرَانٍ.

وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ: إِيجَادُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْأَشْيَاءَ عَلَى قَدَرٍ مَخْصُوصٍ، وَتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ فِي ذَوَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا، طِبْقَ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ وَجَرْي بِهِ الْقَلَمُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -: قَدْ يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْقَدَرِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَالْقَضَاءُ مَعْنَى الْإِجْبَارِ وَالْقَهْرِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» " مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَاكْتِسَابِهِمْ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ - تَعَالَى -، وَخَلْقٍ لَهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، قَالَ: وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ كَالْهَدْمِ، وَالنَّشْرِ، وَالْقَبْضِ، أَسْمَاءٌ لِمَا صَدَرَ عَنْ فِعْلِ الْهَادِمِ، وَالنَّاشِرِ، وَالْقَابِضِ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ، وَقَدَّرْتُ خَفِيفَةً وَثَقِيلَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَالْقَضَاءُ مَعْنَاهُ فِي هَذَا - الْخَلْقُ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -:

<<  <  ج: ص:  >  >>