أَمْضَى " قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَمِنْهُ الْقَضَاءُ الْمَقْرُونُ بِالْقَدَرِ، فَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ، وَهُوَ الْقَدَرُ، وَالْآخِرُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، فَمَنْ رَامَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ وَنَقْضَهُ، وَتَقَدَّمَ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيَّ قَدِ اسْتَوْعَبَ الْأَوْجُهَ فِي الْقَضَاءِ فِي كِتَابِهِ (الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ) فَقَالَ: لَفْظَةُ " قَضَى " فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ جَاءَتْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا: الْفَرَاغِ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠] ، وَالْأَمْرِ {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: ٤٧] ، وَالْأَجَلِ {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: ٢٣] ، وَالْفَصْلِ {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٥٨] ، وَالْمُضِيِّ {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٢] ، وَالْهَلَاكِ {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: ١١] ، وَالْوُجُوبِ {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم: ٢٢] ، وَالْإِبْرَامِ {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: ٦٨] ، وَالْإِعْلَامِ {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ} [الإسراء: ٤] ، وَالْوَصِيَّةِ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] ، وَالْمَوْتِ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] ، وَالنُّزُولِ {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: ١٤] ، وَالْخَلْقِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: ١٢] ، وَالْفِعْلِ {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: ٢٣] يَعْنِي حَقًّا لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ، وَالْعَهْدِ {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص: ٤٤] . وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْقَدَرَ الْمَكْتُوبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٢١] ، وَالْفِعْلَ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: ٧٢] أَيْ: وَجَبَ لَهُمُ الْعَذَابُ. وَالْوَفَاءِ بِغَايَةِ الْعِبَادَةِ، وَالْكِفَايَةِ " وَلَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ". وَبَعْضُ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُتَدَاخِلٌ، وَيَرِدُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الِانْتِهَاءِ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: ٣٧] وَبِمَعْنَى الْإِتْمَامِ {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: ٢] وَبِمَعْنَى " كَتَبَ " {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: ٤٧] وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، وَمِنْهُ " قَضَى دَيْنَهُ "، وَتَفْسِيرُهُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا} [الإسراء: ٢٣] بِمَعْنَى " وَصَّى " مَنْقُولٌ مِنْ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، قَالَ: هِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَوَصَّى " وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَقَضَى} [الإسراء: ٢٣] قَالَ: وَأَوْصَى، وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَرَأَ: وَوَصَّى، وَقَالَ: لَصِقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا، فَقُرِئَتْ: وَقَضَى. كَذَا قَالَ، وَاسْتَنْكَرُوا مِنْهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. فَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ: " فَوَاقِعٌ حَتْمًا كَمَا قَضَاهُ " إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute