أَنْوَاعِ الْمُكَفِّرَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنَ الدِّينِ بِيَقِينٍ، وَالْعِصْيَانُ ضِدُّ الطَّاعَةِ، وَهُوَ يُرَادِفُ الذَّنْبَ، وَالْإِثْمَ، وَالْجُرْمَ، كَذَا الْبَغْيُ، وَالْعُدْوَانُ، وَالظُّلْمُ، وَلَكِنْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمُبَاحِ إِلَى مَا وَرَاءَهُ، وَكَذَا الْفَحْشَاءُ، وَالْمُنْكَرُ، فَالْفَحْشَاءُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ قَدْ حُذِفَ تَجْرِيدًا لِقَصْدِ الصِّفَةِ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ الْفَحْشَاءُ، وَالْخَصْلَةُ الْفَحْشَاءُ، وَهِيَ مَا ظَهَرَ قُبْحُهَا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَاسْتَخْبَثَهَا كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ ; وَلِهَذَا فُسِّرَ بِالزِّنَا، وَاللِّوَاطِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فَاحِشَةً لِتَنَاهِي قُبْحِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ يُسَمَّى فُحْشًا، وَهُوَ مَا ظَهَرَ قُبْحُهُ جِدًّا مِنَ السَّبِّ الْقَبِيحِ، وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا الْمُنْكَرُ صِفَّةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مَا أَنْكَرَتْهُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقِيمَةُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّخْصَ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُلَابَسَةِ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَالْعِصْيَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ، فَطَرِيقُ الْخَوَارِجِ أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الذُّنُوبِ بَلْ وَالصَّغِيرَةَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ كُلَّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ نَظَرًا لِعَظَمَةِ مَنْ عَصَى، وَكُلَّ كَبِيرَةٍ كُفْرٌ يُخْرِجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَيُدْخِلُ الْكُفْرَ، وَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ إِلَّا الْكُفَّارُ.
وَطَرِيقُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ، فَهُوَ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَمِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ إِثْبَاتُ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، كَمَا مَرَّ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ لَيْسُوا بِكُفَّارٍ بَلْ هُمْ فُسَّاقٌ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الطَّائِفَتَيْنِ إِذَا لَمْ يَتُوبُوا قَبْلَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ.
وَالْحَقُّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مُرْتَكِبِي الْكَبِيرَةِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَفْوِهِ ; لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِاللَّهِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِذْعَانِ مَوْجُودٌ، وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى هَذَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] الْآيَتَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] فَسَمَّاهُ أَخًا وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] الْآيَةَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ، «وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: " بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute