مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَجُوزُ رَدُّهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا قَبُولُ تَوْبَةِ الْمُذْنِبِ النَّصُوحِ بِشَرْطِهَا فَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا يُقْطَعُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ، بَلْ يُرْجَى، وَصَاحِبُهَا تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، مِنْهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَنِ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ قَطْعًا. نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ.
وَإِلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ فَضْلًا وَكَرَمًا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ((وَيَقْبَلُ الْمَوْلَى)) الَّذِي هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقُ الْخَلْقِ، وَبَاسِطُ الرِّزْقِ ذُو الْكَرَمِ الْوَاسِعِ، وَالْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((بِمَحْضِ)) أَيْ خَالِصِ ((الْفَضْلِ)) وَالْكَرَمِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ - تَعَالَى - وَلَا إِلْزَامٍ ((مِنْ)) كُلِّ عَبْدٍ مُذْنِبٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا بِشُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ مِنَ النَّدَمِ، وَالْإِقْلَاعِ، وَالْعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ، وَأَنْ يَرُدَّ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، أَوْ يَسْتَحِلَّهُمْ مِمَّا أَمْكَنَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الشُّرُوطُ قُبِلَتِ التَّوْبَةُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ شَخْصٍ مُسْلِمٍ ((غَيْرِ عَبْدٍ كَافِرٍ)) بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ((مُنْفَصِلٍ)) عَنِ الدِّينِ، إِمَّا بِرِدَّةٍ، أَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا، فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنَ الذُّنُوبِ ((مَا لَمْ يَتُبْ)) أَيْ يَرْجِعْ ((مِنْ كُفْرِهِ)) فَيُسْلِمُ وَيُقِرُّ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ، وَيُقِرُّ وَيُذْعِنُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ فَيَتَّصِفُ مِنْ بَعْدِ رُجُوعِهِ عَنِ الْكُفْرِ ((بِضِدِّهِ)) مِنَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا بِإِنْكَارِ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ إِيجَابًا وَتَحْرِيمًا؛ فَيَرْجِعُ عَنْ إِنْكَارِهِ ذَلِكَ، وَيُقِرُّ وَيُذْعِنُ حَسْبَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ وَكَلَامُ اللَّهِ الْقَدِيمُ. وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا، أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا يَسْتَقِلُّ بِالنَّفْعِ، وَالضَّرَرِ، وَعِلْمِ الْغَيْبِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ ((فَـ)) ـلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا لَمْ ((يَرْتَجِعْ عَنْ شِرْكِهِ)) الَّذِي كَانَ مُتَّصِفًا بِهِ ((وَصَدِّهِ)) أَيْ إِعْرَاضِهِ عَنِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ سَيِّدِ الْعَالَمِينَ؛ بِأَنْ يُذْعِنَ وَيَنْقَادَ لِشَرِيعَةِ خَيْرِ الْعِبَادِ؛ مُسْلِمًا خَاضِعًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ وَقَالِبِهِ، خَالِعًا مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ تُرَّهَاتِهِ وَمَطَالِبِهِ، فَهَذَا يُقْبَلُ إِسْلَامُهُ إِجْمَاعًا. وَأَمَّا الْمُذْنِبُ فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ، مُتَعَلِّلًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، فَيَجْعَلُ كُلَّ الذُّنُوبِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: ٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute