للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخِرِ، وَمَا عَدَاهُ فُرُوعٌ، فَيَجِبُ تَكْفِيرُ مَنْ يُغَيِّرُ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ قَاطِعٍ، كَالَّذِي يُنْكِرُ الْعُقُوبَاتِ الْحِسِّيَّةَ فِي الْآخِرَةِ بِظُنُونٍ وَأَوْهَامٍ وَاسْتِبْعَادَاتٍ مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ قَاطِعٍ، فَيَجِبُ تَكْفِيرُهُ قَطْعًا. وَيَجِبُ تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَعْلَمُ إِلَّا نَفْسَهُ، أَوْ لَا يَعْلَمُ إِلَّا الْكُلِّيَّاتِ فَأَمَّا الْأُمُورُ الْجُزْئِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَشْخَاصِ فَلَا يَعْلَمُهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا، وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الدَّرَجَاتِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا التَّأْوِيلُ إِذْ أَدِلَّةُ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارُ عَلَى تَفْهِيمِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ، وَتَفْهِيمِ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِكُلِّ مَا يَجْرِي عَلَى الْإِنْسَانِ - مُجَاوِزَةٌ حَدًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالُوا: وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَاحُ الْخَلْقِ فِي أَنْ يَعْتَقِدُوا حَشْرَ الْأَجْسَادِ لِقُصُورِ عُقُولِهِمْ عَنْ فَهْمِ الْمَعَادِ الْعَقْلِيِّ، وَكَانَ صَلَاحُهُمْ فِي أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ، وَرَقِيبٌ عَلَيْهِمْ لِيُورِثَ ذَلِكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، جَازَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفَهِّمَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: وَلَيْسَ بِكَاذِبٍ مَنْ أَصْلَحَ غَيْرَهُ، فَقَالَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِالتَّكْذِيبِ، وَيَجِبُ إِجْلَالُ مَنْصِبِ النُّبُوَّةِ عَنْ هَذِهِ الرَّزِيلَةِ، فَفِي الصِّدْقِ وَإِصْلَاحِ الْخَلْقِ بِهِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ، قَالَ: وَهَذِهِ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الزَّنْدَقَةِ، وَهِيَ رُتْبَةٌ بَيْنَ الِاعْتِزَالِ وَبَيْنَ الزَّنْدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَقْرُبُ مَنَاهِجُهُمْ مِنْ مَنَاهِجِ الْفَلَاسِفَةِ إِلَّا فِي هَذَا الْأَمْرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ لَا يُجَوِّزُ الْكَذِبَ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا، بَلْ يَئَوِّلُ الظَّاهِرَ مَهْمَا ظَهَرَ لَهُ بِالْبُرْهَانِ خِلَافُهُ، وَالْفَلْسَفِيُّ لَا يَقْتَصِرُ مُجَاوَزَتُهُ لِلظَّوَاهِرِ عَلَى مَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عَلَى قُرْبٍ أَوْ بَعْدٍ، قَالَ: وَأَمَّا الزَّنْدَقَةُ الْمُطْلَقَةُ هُوَ أَنْ يُنْكِرَ أَصْلَ الْمَعَادِ بِنَوْعٍ عَقْلِيٍّ مَعَ نَفْيِ الْآلَامِ، وَاللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ، وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ مَعَ نَفْيِ عِلْمِهِ بِتَفَاصِيلِ الْأُمُورِ، فَهِيَ زَنْدَقَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِنَوْعِ اعْتِرَافٍ بِصِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَظَاهِرٍ ظَنِّيٍّ، قَالَ: وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي نَيِّفًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الزَّنَادِقَةَ» ، وَهِيَ فِرْقَةٌ " قَالَ: وَهَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الزَّنَادِقَةَ مِنْ أُمَّتِهِ إِذْ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>