مِمَّا لَوْ قَارَنَ السَّبَبَ فِقْدَانُ الشَّرْطِ وَوُجُودُ الْمَانِعِ كَالنِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، أَوْ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ، وَوُجُودُ الْمَانِعِ فِي الثَّانِي، فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لِذَاتِهِ لِلِاسْتِظْهَارِ عَلَى مَا لَوْ تَخَلَّفَ وُجُودُ الْمُسَبَّبِ مَعَ وِجْدَانِ السَّبَبِ لَفُقِدَ شَرْطٌ، أَوْ وُجُودُ مَانِعٍ كَمَنَ فِيهِ سَبَبُ الْإِرْثٍ، وَلَكِنَّهُ قَاتِلٌ أَوْ رَقِيقٌ، وَعَلَى مَا لَوْ وُجِدَ الْمُسَبَّبُ مَعَ فِقْدَانِ السَّبَبِ، لَكِنْ لِوُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ كَالرِّدَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْقَتْلِ إِذَا فُقِدَتْ، وَوُجِدَ قَتْلٌ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، أَوْ زِنَا مُحْصَنٍ، فَتَخَلَّفَ هَذَا التَّرْتِيبُ عَنِ السَّبَبِ، لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِمَعْنًى خَارِجٍ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: السَّبَبُ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ، دَلَّ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ طَرْدِيًّا كَانَ كَجَعْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّلَاةِ، أَوْ غَيْرَ طَرْدِيٍّ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، سَوَاءٌ اطَّرَدَ الْحُكْمُ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ ; لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - الْمُسَبِّبُ حَتَّى أَطْلَقْتَهُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ، أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ؟ قُلْتُ: ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي (بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ) أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - فِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ تَوْقِيفِيٌّ، وَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا، كَالْقَدِيمِ وَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ، أَوِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي مَسْأَلَةِ أَسْمَائِهِ، هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ مِنْهَا بَعْضُ مَا لَا يَرِدُ بِهِ السَّمْعُ. (تَنْبِيهٌ) : فِي نُسْخَةٍ مِنْ مَنْظُومَتِي بَدَلَ مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ (مُقَدِّرِ الْآجَالِ) ، وَهُوَ أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُقَدِّرَ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْفَوَاضِلِ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْآجَالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْآجَالِ: الْأَقْدَارِ، وَهُوَ أَعَمُّ، وَتَدْبِيرُ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامِ فِعْلٌ هُوَ إِحْسَانٌ مِنْهُ - تَعَالَى - وَهُوَ السَّبَبُ لِوُجُودِ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ ; لِأَنَّ الْإِحْسَانَ يَدْعُو إِلَى ذِكْرِ الْمُحْسِنِ بِفَضَائِلِهِ الَّتِي يَتَأَتَّى بِهَا الْإِحْسَانُ، وَالْأَقْدَارُ جَمْعُ قَدْرٍ بِسُكُونِ الدَّالِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَبْلَغِ الشَّيْءِ وَمُنْتَهَاهُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْرٌ فَمَصْنُوعٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى مُخَصِّصٍ يُقَدِّرُ الْمُتَّصِفَ بِهِ مِنَ الْأَقْدَارِ مِنْ طُولٍ وَعَرْضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute