وَنَحْوَهُمْ، فَذَلِكَ الْمَجْمُوعُ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ لَمْ يَبْقَ مَجْمُوعًا مَعَ الذُّنُوبِ، لَكِنْ يَقُولُونَ بَقِيَ بَعْضُهُ، إِمَّا أَصْلُهُ، وَإِمَّا أَكْثَرُهُ، وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَيَعُودُ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّهُ يَذْهَبُ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ ; وَلِهَذَا كَانَتِ الْمُرْجِئَةُ تَنْفِرُ مِنْ لَفْظِ النَّقْصِ أَكْثَرَ مِنْ نُفُورِهَا مِنْ لَفْظِ الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا نَقَصَ لَزِمَ ذَهَابُهُ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ إِنْ كَانَ مُتَبَعِّضًا مُتَعَدِّدًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَهُوَ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ فَيُثْبِتُونَ وَاحِدًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي وَحْدَانِيَّةِ الرَّبِّ - عَزَّ وَجَلَّ - وَوَحْدَانِيَّةِ صِفَاتِهِ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا مِنْهُمْ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذَا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْإِنْسَانِ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَبَعْضُ الْكُفْرِ، أَوْ مَا هُوَ إِيمَانٌ وَمَا هُوَ كُفْرٌ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِأَجْلِ اعْتِقَادِهِمْ هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَعُوا فِي مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ الْحَقِيقِيِّ إِجْمَاعِ السَّلَفِ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَلْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ ; وَلِهَذَا نَظَائِرُ مُتَعَدِّدَةٌ يَقُولُ الْإِنْسَانُ قَوْلًا مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ حَقِيقَةً، وَيَكُونُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مَبْلَغَ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فَاللَّهُ يُثِيبُهُ عَلَى مَا أَطَاعَ اللَّهَ فِيهِ مِنِ اجْتِهَادِهِ، وَيَغْفِرُ لَهُ مَا عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مِنَ الصَّوَابِ الْبَاطِنِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ قَالَ لِي بَعْضُهُمْ مَرَّةً: الْإِيمَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِيمَانٌ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ. فَقُلْتُ لَهُ: قَوْلُكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَقَوْلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِنْسَانٌ وَمِنْ حَيْثُ هُوَ حَيَوَانٌ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ فَتُثْبِتُ لِهَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ وَجُودًا مُطْلَقًا مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ، وَالصِّفَاتِ، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُقَدِّرُهُ الْإِنْسَانُ فِي ذِهْنِهِ كَمَا يُقَدِّرُ مَوْجُودًا لَا قَدِيمًا وَلَا حَادِثًا وَلَا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَالْمَاهِيَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ شَيْءٌ يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَهَكَذَا تَقْدِيرُ إِيمَانٍ لَا يَتَّصِفُ بِهِ مُؤْمِنٌ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ بَلْ مَا ثَمَّ إِيمَانٌ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا مَا ثَمَّ إِنْسَانِيَّةٌ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مَا اتَّصَفَ بِهَا الْإِنْسَانُ فَكُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ إِنْسَانِيَّةٌ تَخُصُّهُ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ إِيمَانٌ يَخُصُّهُ، فَإِنْسَانِيَّةُ زَيْدٍ تُشْبِهُ إِنْسَانِيَّةَ عَمْرٍو، وَلَيْسَتْ هِيَ هِيَ، وَالِاشْتِرَاكُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ كُلِّيٍّ مُطْلَقٍ يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute