للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- تَعَالَى - لَا إِلَيْهِمْ. وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَنْكِحُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ ((اثْنَيْنِ)) مَفْعُولُ " وَكَّلَ " ((حَافِظَيْنِ لِلْأَنَامِ)) كَسَحَابٍ، وَبِالْمَدِّ، وَالْأَنِيمُ كَأَمِيرٍ الْخَلْقُ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ، وَجَمِيعُ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِنْسُ ((فَيَكْتُبَانِ)) يَعْنِي الْمَلَكَيْنِ الْحَافِظَيْنِ ((كُلَّ أَفْعَالِ الْوَرَى)) كَفَتَى: الْخَلْقُ ((كَمَا أَتَى فِي النَّصِّ)) الْقُرْآنِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: ١٠] وَقَالَ - تَعَالَى -: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٧] ((مِنْ غَيْرِ امْتِرَا)) أَيْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُمَارَاةِ، وَالْمِرْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: الشَّكُّ وَالْجَدَلُ، يُقَالُ مَارَاهُ مُمَارَاةً وَمِرَاءً، وَامْتَرَى فِيهِ وَتَمَارَى شَكَّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَامْتَرَاهُ حَقَّهُ جَحَدَهُ. وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي الْحَدِيثِ (( «لَا تَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ» )) قَالَ: الْمِرَاءُ الْجِدَالُ، وَالتَّمَارِي وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، وَيُقَالُ لِلْمُنَاظَرَةِ مُمَارَاةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ وَيَمْتَرِيهِ، كَمَا يَمْتَرِي الْحَالِبُ اللَّبَنَ مِنَ الضَّرْعِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: لَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْوِيلِ وَلَكِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ عَلَى حَرْفٍ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لَيْسَ هُوَ كَذَا وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ، وَكِلَاهُمَا مُنَزَّلٌ مَقْرُوءَةٌ فِيهِمَا، فَإِذَا جَحَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا قِرَاءَةَ صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ إِلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهُ نَفَى حَرْفًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ.

وَالتَّنْكِيرُ فِي الْمِرَاءِ فِي الْحَدِيثِ إِيذَانًا بِأَنَّ شَيْئًا مِنْهُ كُفْرٌ فَضْلًا عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ إِنَّمَا أَرَادَ الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقَدَرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَبْوَابِ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ، وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ ظُهُورَ الْحَقِّ لِيُتَّبَعَ دُونَ الْغَلَبَةِ، وَالتَّعْجِيزِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا - مِنْهُمُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: الرَّقِيبُ وَالْعَتِيدُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالْعَبْدِ يَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ بِهِمَا وَنُصَدِّقَ بِأَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ أَفْعَالَهُ كَمَا قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>