تَوْسِعَةَ الْقَبْرِ وَضِيقَهُ وَإِضَاءَتَهُ وَخُضْرَتَهُ وَنَارَهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَعْهُودِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَشْهَدَ عِبَادَهُ هَذِهِ الدَّارَ وَمَا كَانَ فِيهَا وَمِنْهَا وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَقَدْ أَسْبَلَ عَلَيْهِ الْغِطَاءَ لِيَكُونَ الْإِقْرَارُ بِهِ وَالْإِيمَانُ سَبَبًا لِسَعَادَتِهِمْ وَلَوْ كَشَفَ عَنْهُ الْغِطَاءَ لَكَانَ مُشَاهَدًا عَيَانًا وَفَاتَتْهُ نَتِيجَةُ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ.
قُلْتُ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَمْ تُحِلْهُ الْعُقُولُ وَحَيْثُ كَانَ مُمْكِنًا فَمُعَارَضَةُ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ إِلْحَادٌ، وَهُوَ كَمَا أَنَّهُ مُقْتَضَى السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ الْمَرْوَذِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ هَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ بِهَا، كُلَّمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ أَقْرَرْنَا بِهِ، إِذَا لَمْ نُقِرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَدَفَعْنَاهُ وَرَدَدْنَاهُ رَدَدْنَا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] . قُلْتُ وَعَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ؟ قَالَ: حَقٌّ يُعَذَّبُونَ فِي الْقُبُورِ. قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: نُؤْمِنُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ (وَأَنَّ الْعَبْدَ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ فِي الْقَبْرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ نُقِرُّ بِمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ) . وَمَا يُرْوَى فِي عَذَابِ الْقَبْرِ؟ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ نَعَمْ نُقِرُّ بِذَلِكَ، قُلْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ نَقُولُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ هَكَذَا أَوْ نَقُولُ مَلَكَيْنِ؟ قَالَ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ. قُلْتُ يَقُولُونَ لَيْسَ فِي حَدِيثٍ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ؟ قَالَ هُوَ هَكَذَا - يَعْنِي أَنَّهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحُ: وَأَمَّا أَئِمَّةُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ فَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ: مَنْ خَرَجَ عَنْ سُنَّةِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، قَالَا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْقَبْرِ إِنَّمَا تَقَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأَثْبَتَ الْجُبَّائِيُّ وَابْنُهُ وَالْبَلْخِيُّ عَذَابَ الْقَبْرِ لَكِنَّهُمْ نَفَوْهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَثْبَتُوهُ لِأَصْحَابِ التَّخْلِيدِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ عَلَى أُصُولِهِمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute