للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ عَرَضٌ مِنْ أَعْرَاضِهِ أَوْ جِسْمٌ مُسَاكِنٌ لَهُ مُودَعٌ فِيهِ أَوْ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ؟ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ وَاضْطَرَبَتْ فِيهَا أَقْوَالُهُمْ وَكَثُرَ فِيهَا خَطَأُهُمْ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ وَالْخَوْضِ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] الْآيَةَ وَهَدَى اللَّهُ أَتْبَاعَ الرَّسُولِ وَسَلَفَ الْأُمَّةِ وَأَهْلَ السُّنَّةِ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ مَا سَاقَ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي حَقِيقَةِ الرُّوحِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ وَتَبَايُنِ آرَائِهِمْ وَذَكَرَ عِدَّةَ مَذَاهِبَ وَزَيَّفَهَا ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ مُخَالِفٌ بِالْمَاهِيَّةِ لِهَذَا الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ وَهُوَ جِسْمٌ نُورَانِيٌّ عُلْوِيٌّ خَفِيفٌ حَيٌّ مُتَحَرِّكٌ يَنْفُذُ فِي جَوْهَرِ الْأَعْضَاءِ وَيَسْرِي فِيهَا سَرَيَانَ الْمَاءِ فِي الْوَرْدِ وَسَرَيَانَ الدُّهْنِ فِي الزَّيْتُونِ وَالنَّارِ فِي الْفَحْمِ، فَمَا دَامَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ صَالِحَةً لِقَبُولِ الْآثَارِ الْفَائِضَةِ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْجِسْمِ اللَّطِيفِ بَقِيَ هَذَا الْجِسْمُ اللَّطِيفُ مُتَشَابِكًا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَأَفَادَهَا هَذِهِ الْآثَارَ مِنَ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الْأَخْلَاطِ الْغَلِيظَةِ عَلَيْهَا وَخَرَجَتْ عَنْ قَبُولِ تِلْكَ الْآثَارِ فَارَقَ الرُّوحُ الْبَدَنَ وَانْفَصَلَ إِلَى عَالَمِ الْأَرْوَاحِ.

قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ وَكُلُّ الْأَقْوَالِ سِوَاهُ بَاطِلَةٌ وَعَلَيْهِ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَأَدِلَّةُ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ. وَذَكَرَ لَهُ مِائَةَ دَلِيلٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دَلِيلًا وَأَجَادَ وَأَفَادَ وَزَيَّفَ كَلَامَ ابْنِ سِينَا وَابْنِ حَزْمٍ وَأَمْثَالِهِمَا وَنَحْوِهِمَا.

(فَائِدَةٌ)

ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ مَحَلَّ الرُّوحِ الْقَلْبُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " «أَمَّا النَّفْسُ فَفِي الْقَلْبِ وَالْقَلْبُ بِالنِّيَاطِ وَالنِّيَاطُ يَسْقِي الْعُرُوقَ فَإِذَا هَلَكَ الْقَلْبُ انْقَطَعَ الْعِرْقُ» ". وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ: فِيهِ غَرِيبٌ كَثِيرٌ وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي الرُّوحِ وَهَلْ هِيَ النَّفْسُ أَوْ غَيْرُهَا؟ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ هُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ بَلْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ، قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ: النَّفْسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>