أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا فَإِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي. فَقَالُوا إِنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ. وَرُفِعَ لَهُمْ أَبُوهُمْ آدَمُ فَرَأَى فِيهِمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحُسْنَ الصُّورَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبِّ لَوْ سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ، فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ، وَرَأَى فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: ٧] وَهُوَ قَوْلُهُ {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] وَهُوَ قَوْلُهُ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم: ٥٦] وَقَوْلُهُ {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: ١٠٢] قَالَ وَكَانَ رُوحُ عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْمِيثَاقُ فَأَرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوحَ إِلَى مَرْيَمَ لَمَّا انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُتَعَدِّدَةٍ وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ وَمِثْلَ اللُّؤْلُؤِ بَيَاضًا. وَرَوَى إِسْحَاقُ ثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقَرُّوا لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَجْسَادُهَا.
قَالَ وَثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أُخْرِجُوا مِنْ صُلْبِ آدَمَ حِينَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ ثُمَّ رُدُّوا فِي صُلْبِهِ. وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ يَوْمَ خَلَقَهُ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ فَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً بِيَمِينِهِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَبَضَ أُخْرَى وَقَالَ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ (أَبُو) عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَرْوَاحَ الْعِبَادِ قَبْلَ الْعِبَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَافَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute