آخَرَ رَأَيْتُ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ.
(وَمِنْهُمْ) : مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا فِي قَبْرِهِ كَحَدِيثِ صَاحِبِ الشَّمْلَةِ الَّتِي غَلَّهَا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي غَلَّهَا لَتَشْتَعِلُ نَارًا فِي قَبْرِهِ» ".
(وَمِنْهُمْ) : مَنْ يَكُونُ مَقَرُّهُ بَابَ الْجَنَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً» " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ أَبْدَلَهُ اللَّهُ مِنْ يَدَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ.
(وَمِنْهُمْ) : مَنْ يَكُونُ مَحْبُوسًا فِي الْأَرْضِ لَمْ تَعْلُ رُوحُهُ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَإِنَّهَا كَانَتْ رُوحًا سُفْلِيَّةً أَرْضِيَّةً فَإِنَّ الْأَنْفُسَ الْأَرْضِيَّةَ لَا تُجَامِعُ الْأَنْفُسَ السَّمَاوِيَّةَ كَمَا لَا تُجَامِعُهَا فِي الدُّنْيَا وَالنَّفْسُ الَّتِي لَمْ تَكْتَسِبْ فِي الدُّنْيَا مَعْرِفَةَ رَبِّهَا وَمَحَبَّتَهُ وَذِكْرَهُ وَالْأُنْسَ بِهِ وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ سُفْلِيَّةٌ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ لِبَدَنِهَا إِلَّا هُنَاكَ كَمَا أَنَّ النَّفْسَ الْعُلْوِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا عَاكِفَةً عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْأُنْسِ بِهِ تَكُونُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مَعَ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لَهَا، فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُزَوِّجُ النُّفُوسَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ الْمَعَادِ كَمَا فِي حَدِيثِ " «وَيُجْعَلُ رُوحُهُ - يَعْنِي الْمُؤْمِنَ - مَعَ النَّسَمِ الطَّيِّبِ» " أَيِ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ الْمُشَاكِلَةِ لِرُوحِهِ. فَالرُّوحُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ تَلْحَقُ بِأَشْكَالِهَا وَإِخْوَانِهَا وَأَصْحَابِ عَمَلِهَا تَكُونُ مَعَهُمْ هُنَاكَ.
(وَمِنْهَا) : أَرْوَاحٌ تَكُونُ فِي تَنُّورِ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي، وَأَرْوَاحٌ فِي نَهْرِ الدَّمِ تَسْبَحُ فِيهِ وَتُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَلَيْسَ لِلْأَرْوَاحِ شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا مُسْتَقَرٌّ وَاحِدٌ بَلْ رُوحٌ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَرُوحٌ أَرْضِيَّةٌ سُفْلِيَّةٌ لَا تَصْعَدُ مِنَ الْأَرْضِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ السُّنَنَ وَالْآثَارَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ اعْتِنَاءٍ عَرَفَ صِحَّةَ ذَلِكَ فَكُلُّ الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ حَقٌّ وَصِدْقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي فَهْمِهَا وَفَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَمَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَأَحْكَامِهَا وَأَنَّ لَهَا شَأْنًا غَيْرَ شَأْنِ الْبَدَنِ وَأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا فِي الْجَنَّةِ فَهِيَ فِي السَّمَاءِ وَتَتَّصِلُ بِفِنَاءِ الْقَبْرِ وَبِالْبَدَنِ فِيهِ وَهِيَ أَسْرَعُ شَيْءٍ حَرَكَةً وَانْتِقَالًا وَصُعُودًا وَهُبُوطًا، وَتَنْقَسِمُ إِلَى مُرْسَلَةٍ وَمَحْبُوسَةٍ وَعُلْوِيَّةٍ وَسُفْلِيَّةٍ، وَلَهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ صِحَّةٌ وَمَرَضٌ وَلَذَّةٌ وَنَعِيمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute