للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ» . رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

فَإِنْ قُلْتَ: وَرَدَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ كَنْزَهَا وَلَعَمْرِي إِنَّهُ لَسُؤَالٌ وَارِدٌ وَاسْتِشْكَالٌ مُضَادٌّ وَلَمْ أَرَى مَنْ تَقَدَّمَنِي مِمَّنْ نَقَّبَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَفِي يَمِّهِ خَاضَ، وَلَا مَنْ أَجَابَ هَذَا السُّؤَالَ وَلَا مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ يَسْتَخْرِجُ الْكَنْزَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْتَمِعُ فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ - فِي مُدَّةِ الْمَهْدِيِّ وَمُدَّةِ سَيِّدِنَا عِيسَى إِلَى أَنْ يُخَرِّبَهَا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ - مَالٌ كَثِيرٌ سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ وَانْكِبَابِ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ مَعَ كَثْرَةِ الْحُجَّاجِ وَهَذَا مُمْكِنٌ، أَوْ يَكُونُ الْمَهْدِيُّ كَشَفَهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ عَوَزَهُ وَتَرَكَ بَاقِيَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ قُلْتَ: تَسَلُّطُ هَذَا الْعَدُوِّ الْخَبِيثِ عَلَى هَدْمِ بَيْتِ اللَّهِ الْمُعَظَّمِ يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: ٦٧] الْآيَةَ {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: ٢٥] الْآيَةَ، وَقَدْ حَمَاهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ وَجِيرَانُهُ حِينَئِذٍ كُفَّارٌ مُشْرِكُونَ فَكَيْفَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ وَهُوَ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ جِيرَانُهُ؟ .

(فَالْجَوَابُ) مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجَوَابِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ ( «وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ» ) فَفِي زَمَنِ الْفِيلِ مَا كَانُوا قَدِ اسْتَحَلُّوهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْحَبَشَةُ فَلَا يَهْدِمُونَهُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِحْلَالِ أَهْلِهِ مِرَارًا، وَقَدِ اسْتَحَلَّهُ جَيْشُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ الْحَجَّاجُ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِأَمْرِهِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقَرَامِطَةَ فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَطَافِ مَا لَا يُحْصَى، وَقَلَعُوا الْحَجَرَ وَنَقَلُوهُ لِبِلَادِهِمْ فَلَمَّا وَقَعَ اسْتِحْلَالُهُ مِنْ أَهْلِهِ مِرَارًا مَكَّنَ غَيْرَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ اسْتِمْرَارُ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا

(قُلْتُ) وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ مُشْعِرٌ بِالِاضْمِحْلَالِ، وَكَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْأَمْنِ وَرَدَ بِاضْمِحْلَالِ هَذَا الْعَالَمِ وَدَمَارِهِ فَأَشْعَرَ أَنَّ الْأَمْنَ مُغَيًّا إِلَى غَايَةٍ أَشَارَ الشَّارِعُ إِلَيْهَا فَوَجَبَ تَصْدِيقُ الْأَمْرَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ زَمَنَهُ حَسْبَمَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>