وَقَالَ {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: ١٦] وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ خُلِقْنَ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَكَتَبَ فِي وَجْهِهَا إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا رِضَايَ كَلَامٌ وَغَضَبِي كَلَامٌ وَرَحْمَتِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ. وَخَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ نُورِ حِجَابِهِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَتَبَ فِي وَجْهِهِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا صَنَعْتُ الْقَمَرَ وَخَلَقْتُ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ فَالظُّلْمَةُ ضَلَالَةٌ وَالنُّورُ هُدًى. أَيْ أُضِلُّ مَنْ شِئْتُ وَأَهْدِي مَنْ شِئْتُ. وَكَتَبَ فِي بَطْنِهِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِقُدْرَتِي وَعِزَّتِي أَبْتَلِي بِهِمَا مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الشَّمْسُ قَدْرُ الدُّنْيَا وَزِيَادَةُ ثُلُثٍ، وَالْقَمَرُ عَلَى قَدْرِ الدُّنْيَا.
وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ سَعَةِ الْأَرْضِ بَدَلَ قَدْرِ الدُّنْيَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَزَعَمَ أَهْلُ الْهَنْدَسَةِ أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْأَرْضِ مِائَةً وَسِتِّينَ مَرَّةً أَوْ مِائَتَيْنِ.
وَالْأُفُقُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ النَّاحِيَةُ وَالْجَمْعُ آفَاقٌ وَالْأُفُقُ أَيْضًا مَا ظَهَرَ مِنْ نَوَاحِي الْفَلَكِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
وَقَوْلُهُ ((مِنْ دَبُورٍ)) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفَةً فَرَاءٌ بَعْدَ الْوَاوِ جِهَةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا تُدَابِرُ بَابَ الْكَعْبَةِ، وَتُسَمَّى الرِّيحُ الَّتِي مَهَبُّهَا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ دَبُورٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَهَلَكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَفِي الْقَامُوسِ: دَبَرَتِ الرِّيحُ تَحَوَّلَتْ دَبُورًا وَهِيَ رِيحٌ تُقَابِلُ الصَّبَا. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ الصَّبَا بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورًا هِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ بَلْ وَبِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨] الْآيَةَ. أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.
وَقَدْ خَبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلَبَطَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِمَقْصُودِهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْمَحَطُّ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِيمَانُهُ مُتَحَقِّقًا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا لَمْ يَنْفَعْهُ تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute