للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَسْبُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَالْآيَةُ مِنَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ كَسَبَتْ يَنْفَعُهَا كَسْبُهَا الْمُمَاثِلُ لِلسَّابِقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

فَيَتَلَخَّصُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مُسَطَّرٌ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْحَافِظِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ الْمُحْدَثُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُشْرِكًا، وَلَا التَّوْبَةُ الْمُحْدَثَةُ فِيهِ لِمَنْ كَانَ مُخَلِّطًا وَلَا أَعْمَالُ الْبِرِّ الْمُحْدَثَةِ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُؤْمِنًا فَإِنَّ الْإِيمَانَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ السَّابِقَةِ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ لِأَجْلِ نَجَاتِهِ، وَإِيمَانِهِ الْمُتَجَدِّدِ يَوْمَئِذٍ، يَنْفَعُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ السَّابِقَ مَعَ التَّخْلِيطِ يَنْفَعُهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ عَنْ تَخْلِيطِهِ وَقَبُولُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ بِرٍّ مُحْدَثٍ يَكُونُ السَّبَبُ فِي إِحْدَاثِهِ رُؤْيَةَ الْآيَةِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلُهُ لَا يَنْفَعُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْأُصُولِ أَوِ الْفُرُوعِ، وَكُلُّ بِرٍّ لَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ صَاحِبِهِ كَانَ عَامِلًا بِهِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْآيَةِ يَنْفَعُ.

وَهَذَا التَّحْقِيقُ نَبَّهَ عَلَى مِثْلِهِ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ» " لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَرْكَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْفَرَائِضِ أَيْ وَكَذَا مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْفَرَائِضِ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفَعُهُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ أَيْ عَمَلًا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ.

قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْضُ الْآيَاتِ وَهُوَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ مَعَ إِيمَانِهِ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْآيَةِ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي سَبَبُهُ ظُهُورُ الْآيَةِ لَا يَنْفَعُ لِأَنَّ الْآيَةَ اضْطَرَّتْهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَعْمَلُهُ فَظُهُورُ الْآيَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ كَمَا قَبْلَ الْآيَةِ.

وَنَبَّهَ عَلَى مِثْلِهِ السَّيِّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>