للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ بَلْ أَوَّلُ خُرُوجِهَا مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " «يَكُونُ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ فِي الدَّهْرِ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ خَرْجَةٍ فِي أَقْصَى الْيَمَنِ مُنْتَشِرًا ذِكْرُهَا بِالْبَادِيَةِ وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ تَمْكُثُ زَمَانًا طَوِيلًا تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى دُونَ تِلْكَ فَيَعْلُو ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ، ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً وَأَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَكْرَمِهَا عَلَى اللَّهِ - يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ - لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ بَنِي مَخْزُومٍ فَيَرْفُضُ النَّاسُ عَنْهَا وَتَثْبُتُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ فَتَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ فَتَجْلُوا عَنْ وُجُوهِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ» - الْحَدِيثَ.

وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خُرُجَاتٍ فَفِي بَعْضِ خُرُجَاتِهَا تَخْرُجُ فِي مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ أَقْصَى الْبَادِيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا مِنَ الْيَمَنِ لِأَنَّ الْحِجَازَ يَمَانِيَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ الْكَعْبَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ تَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ مِنْ كِبَرِهَا وَعِظَمِ جُثَّتِهَا وَطُولِهَا يُمْكِنُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَجْيَادٍ فَإِنَّهَا تَمْتَدُّ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الْمَرْوَةِ وَمِنَ الصَّفَا وَمِنْ أَجْيَادٍ وَمِنَ الْمَسْجِدِ وَمِنَ الْبَادِيَةِ الَّتِي بِقُرْبِ مَكَّةَ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.

وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ دَابَّةٌ مِمَّا هُوَ مَبْثُوثٌ نَوْعُهَا فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ دَابَّةٌ اسْمُ جِنْسٍ.

وَذَكَرَ الْكُورَانِيُّ أَنَّهُ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْمَرْفُوعِ، لَهَا ثَلَاثُ خُرُجَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ مَحَلَّاتٍ، وَمِنَ الْمَذْكُورِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ: وَالتَّخْصِيصُ بِالْعَدَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّائِدِ وَالنَّاقِصِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ خُرُجَاتٍ كُلُّ خَرْجَةٍ مِنْ مَحَلٍّ فَيَصِحُّ خُرُوجُهَا مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ ذَكَرُوهُ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي طُولِهَا وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْأَقَلَّ لَا يُنَافِي الْأَكْثَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ. انْتَهَى.

وَوَرَدَ أَنَّ خُرُوجَهَا لَيْلَةَ جَمْعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>