الْمَعْنَى إِذْ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ جَمْعُ خَيْرٍ وَخَيْرٌ كَكَيْسٍ وَالْمُؤَنَّثَةُ خِيَرَةٌ، وَيُجْمَعُ خَيْرٌ أَيْضًا عَلَى خِيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ قَبْلَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ إِنَّ الْمُخَفَّفَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا فِي الْجَمَالِ وَالْمِيسَمِ وَالْمُشَدَّدَةَ فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ.
وَالْخَيْرُ ضِدُّ الشَّرِّ وَالْأَخْيَارُ ضِدُّ الْأَشْرَارِ. وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَمُقَلِّدِيهِمْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْقُضَاعِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " «خِيَارُ أُمَّتِي عُلَمَاؤُهَا وَخِيَارُ عُلَمَائِهَا رُحَمَاؤُهَا، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَغْفِرُ لِلْعَالِمِ أَرْبَعِينَ ذَنْبًا قَبْلَ أَنْ يَغْفِرَ لِلْجَاهِلِ ذَنْبًا وَاحِدًا، أَلَا وَإِنَّ الْعَالِمَ الرَّحِيمَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ نُورَهُ قَدْ أَضَاءَ يَمْشِي فِيهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا يُضِيءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ» ) وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ عَزَوْنَا كُلَّ قَوْلٍ لِقَائِلِهِ وَكُلَّ حَدِيثٍ لِنَاقِلِهِ غَالِبًا لِنَخْرُجَ مِنْ تَبِعَتِهِ. وَلِيَعْلَمَ مَنْ أَنْعَمَ النَّظَرَ وَأَمْعَنَ الْفِكْرَ فِي مَا حَرَّرْتُهُ أَنَّهُ زُبْدَةُ مَا مَخَضَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَثَمَرَةُ مَا غَرَسَهُ الْمُحَرِّرُونَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(تَنْبِيهَانِ)
(الْأَوَّلُ) ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّ الْحَشْرَ أَرْبَعٌ: حَشْرَانِ فِي الدُّنْيَا وَحَشْرَانِ فِي الْآخِرَةِ، فَاللَّذَانِ فِي الدُّنْيَا الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَهُوَ حَشْرُ الْيَهُودِ إِلَى الشَّامِ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْرُجُوا قَالُوا إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ» . ثُمَّ أَجْلَى آخِرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَالْحَشْرُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا " «تُبْعَثُ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ نَارٌ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَيَكُونُ لَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّفَ وَتَسُوقُهُمْ سَوْقَ الْجَمَلِ» " قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَكَوْنُهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ لَا يُنَافِي حَشْرَهَا النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهَا مِنْ عَدَنَ فَإِذَا خَرَجَتِ انْتَشَرَتْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَالْمُرَادُ تَعْمِيمُ الْحَشْرِ لَا خُصُوصُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، أَوْ أَنَّهَا بَعْدَ الِانْتِشَارِ أَوَّلُ مَا تَحْشَرُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَمَّا اللَّذَانِ فِي الْآخِرَةِ فَحَشْرُ الْأَمْوَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute