للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الرَّابِعُ) اخْتُلِفَ عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالْمَسْئُولِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

عَنْ خَطَايَاهُمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

عَنْ جَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]- {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: ٩٢ - ٩٣] قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ:

وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، بَلِ السُّؤَالُ وَاقِعٌ عَنْهُمَا وَعَنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَنَسْأَلَنَّهُمْ عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى سُؤَالِهِمْ صَرِيحًا قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦] فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَاسِبُ كُلَّ عِبَادِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُرْسَلِينَ أَوْ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ، وَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا الْكُفَّارُ. انْتَهَى.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاقَشَةِ وَالتَّقْرِيعِ، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي بَحْرِ الْكَلَامِ:

الْأَنْبِيَاءُ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ.

هَذَا حِسَابُ الْمُنَاقَشَةِ، وَعُمُومُ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ مَخْصُوصٌ بِأَحَادِيثِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَقَائِدِهِمْ:

وَيُحَاسَبُ الْمُسْلِمُونَ الْمُكَلَّفُونَ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَكُلُّ مُكَلَّفٍ مَسْئُولٌ، يَسْأَلُ مَنْ شَاءَ مِنَ الرُّسُلِ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَمَنْ شَاءَ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ.

قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَدْرُ الْبَلْبَانِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ:

الْكُفَّارُ لَا يُحَاسَبُونَ بِمَعْنَى أَنَّ صَحَائِفَ أَعْمَالِهِمْ لَا تُوزَنُ، وَإِنْ فَعَلَ كَافِرٌ قُرْبَةً مِنْ نَحْوِ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَلَمَهُ مُسْلِمٌ رَجَوْنَا لَهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ. انْتَهَى.

وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ عَذَابِ الْكُفْرِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي عَقِيدَتِهِ الْوَاسِطِيَّةِ:

يُحَاسِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ:

وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ، وَسَيِّئَاتُهُ فَإِنَّهُمْ لَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ وَتُحْصَى فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا. انْتَهَى.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا وَيُسْأَلُ عَنْهَا مَا أَرَادَ بِهَا، وَعَنْ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>