الصَّحَابَةِ الْمُكْثِرُونَ وَغَيْرُهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ إِلَى أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ.
قَالَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَبْلَهُ، وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ:
ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْحَوْضَ يُورَدُ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْحَوْضِ عَلَى الصِّرَاطِ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ عِطَاشًا فَنَاسَبَ تَقْدِيمَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِيهِ لَمَاءً، وَإِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَيَرِدُونَ إِلَى حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» ".
وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَأَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ يَقَعُ بَعْدَ الْحِسَابِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي عَقِيدَتِهِ: يَشْرَبُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَبَعْدَ جَوَازِ الصِّرَاطِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْحَوْضَ بِجَانِبِ الْجَنَّةِ لِيَنْصَبَّ فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهْرِ الَّذِي دَاخِلُهَا، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ الصِّرَاطِ لَحَالَتِ النَّارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ مِنَ الْكَوْثَرِ فِيهِ، قَالَ: وَأَمَّا مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ جَمَاعَةً يُدْفَعُونَ عَنِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَنْ يَرَوْهُ وَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ يَقْرُبُونَ مِنَ الْحَوْضِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ وَيَرَوْنَ الْجَنَّةَ فَيُدْفَعُونَ فِي النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُصُوا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّرَاطِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ: إِنَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْضَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ، وَالثَّانِي فِي الْجَنَّةِ، وَكِلَاهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا، وَالْكَوْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.
قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ، فَإِنْ قِيلَ: إِذَا خَلَصُوا مِنَ الْمَوْقِفِ دَخَلُوا الْجَنَّةَ، فَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى الشُّرْبِ مِنْهُ، فَالْجَوَابُ: بَلْ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَحْبُوسُونَ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْمَظَالِمِ، فَكَانَ الشُّرْبُ فِي مَوْقِفِ الْقِصَاصِ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَقَعَ الشُّرْبُ مِنَ الْحَوْضِ قَبْلَ الصِّرَاطِ لِقَوْمٍ وَتَأْخِيرُهُ بَعْدَهُ لِآخَرِينَ بِحَسَبِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْأَوْزَارِ حَتَّى يُهَذَّبُوا مِنْهَا عَلَى الصِّرَاطِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَقْوَى. انْتَهَى.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ فِي بَهْجَتِهِ: وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ جَامِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute