للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". وَقَدْ رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَّةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَتَّى هَمَّ أَنْ يَتَنَاوَلَ عُنْقُودًا مِنْ عِنَبِهَا، وَرَأَى النَّارَ فَلَمْ يَرَى مَنْظَرًا أَفْظَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا.

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قِصَّةِ ذَلِكَ، وَفِيهِ " «لَقَدْ أُدْنِيَتِ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ بَسَطْتُ يَدِي لَتَعَاطَيْتُ مِنْ قُطُوفِهَا، وَلَقَدْ أُدْنِيَتِ النَّارُ مِنِّي حَتَّى لَقَدْ جَعَلْتُ أَتَّقِيهَا خَشْيَةَ أَنْ تَغْشَاكُمْ» " الْحَدِيثَ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا " قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ، وَقَالَ: بِعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا.

فَأَمَرَ بِالْجَنَّةِ فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: فَارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، وَمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ:

فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ:

وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَقَالَ: لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ قَالَ:

وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا» ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَدُخُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُؤْيَتُهُ نَهْرَ الْكَوْثَرِ وَقُصُورًا فِي الْجَنَّةِ وَحُورَهَا وَثِمَارَهَا وَدُورَهَا وَقُصُورَهَا، وَقِصَّةُ آدَمَ وَخُرُوجُهُ مِنْهَا، وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي يَفُوتُ عَدُّهَا، وَيَتَعَسَّرُ حَدُّهَا، وَيَعْلَمُ الْمُنْصِفُ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ مَضْمُونِهَا مُكَابَرَةٌ، وَرَدٌّ لِلْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

((وَ)) اجْزِمْ أَيْضًا ((أَنَّهَا)) أَيِ النَّارُ ((لَمْ تَتْلَفْ)) أَيْ لَمْ تَهْلَكْ وَتَبِدْ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَلِفَ كَفَرِحَ: هَلَكَ، وَأَتْلَفَهُ أَفْنَاهُ، وَالْمُتْلَفُ كَالْمُقْعَدِ: الْمُهْلَكُ.

يَعْنِي أَنَّ النَّارَ لَا تَفْنَى وَلَا يَفْنَى مَا فِيهَا كَالْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا.

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي حَادِي الْأَرْوَاحِ: أَمَّا أَبَدِيَّةُ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَفْنَى وَلَا تَبِيدُ فَمِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>