للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَّا فَالْمَوْتُ فِي نَفْسِهِ عَدَمٌ مَحْضٌ رَاجِعٌ إِلَى سَلْبِ الْحَيَاةِ، أَوْ هُوَ اسْتَعَارَةٌ وَكِنَايَةٌ عَنِ الْخُلُودِ الدَّائِمِ، فَضُرِبَ الْمَثَلُ بِالْمَوْتِ وَلَا مَوْتَ هُنَاكَ حَقِيقَةً، انْتَهَى.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَوْتَ جِسْمٌ لَا عَرَضَ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي صُورَةِ كَبْشٍ، وَالْحَيَاةُ فِي صُورَةِ فَرَسٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَسَنٍ الْأَشْعَرِيُّ:

الْمَوْتُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] وَالْعَدَمُ لَا يُخْلَقُ.

كُلُّ هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ مَرْعِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ هَذَا الْجِسْمَ ثُمَّ يُذْبَحُ مِثَالًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ.

قُلْتُ: وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَا مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ جِسْمٌ فِي صُورَةِ كَبْشٍ مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] قَالَ:

الْحَيَاةُ فَرَسُ جِبْرِيلَ، وَالْمَوْتُ كَبْشٌ أَمْلَحُ.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: خَلَقَ الْمَوْتَ فِي صُورَةِ كَبْشٍ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا مَاتَ، وَخَلَقَ الْحَيَاةَ فِي صُورَةِ فَرَسٍ لَا يَمُرُّ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا حَيِيَ.

وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:

خَلَقَ اللَّهُ الْمَوْتَ كَبْشًا أَمْلَحَ مُسْتَتِرًا بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ، لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ جَنَاحٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحٌ فِي الثَّرَى، وَجَنَاحٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَجَنَاحٌ فِي الْمَشْرِقِ، قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْرُزْ فَبَرَزَ لِعِزْرَائِيلَ.

قُلْتُ: الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ الْمَوْتَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَأَنَّهُ جِسْمٌ لَا عَرَضٌ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ فِي صُورَةِ فَرَسٍ كَمَا صَحَّتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَنَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَدَوَّنَهُ الْجَهَابِذَةُ الْأَخْيَارُ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ عِنْدَنَا مُصَوَّرَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِصُوَرِ الْأَجْسَامِ، وَمُشَخَّصَةٌ بِهَيْئَةِ الْأَشْخَاصِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُحِسُّ ذَلِكَ لِكَوْنِنَا مَحْجُوبِينَ عَنْهُ، وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ شَاهِدَةٌ لَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ عِدَّةُ أَخْبَارٍ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ فِي صُورَةِ أَشْخَاصٍ، الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْمَعْرُوفُ وَالذِّكْرُ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَائِدَةٌ)

ذُكِرَ فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ أَنَّ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زِيَادٍ الشَّامِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>