(فَوَائِدُ)
(الْأُولَى) : قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ كَسَائِرِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَيُكَلِّمُهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فِيهِمَا وَلَا يَرَاهُ الْكُفَّارُ، وَلَا يُكَلِّمُهُمْ، قَالَ: وَمَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ كَفَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ انْتَهَى.
وَفِي حَادِي الْأَرْوَاحِ: الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ: لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ وَلَا تُحِيطُ أَبْصَارُهُمْ بِهِ مِنْ عَظْمَتِهِ، وَبَصَرُهُ تَعَالَى يُحِيطُ بِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣] فَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهَمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَبْصَارِهِمْ عِيَانًا، وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُهُمْ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُحِيطُ بِهِ إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِأَنَّ شَيْئًا يُحِيطُ بِهِ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، وَهَكَذَا يُسْمِعُ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُحِيطُونَ بِكَلَامِهِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، فَهُوَ لِعَظَمَتِهِ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ وَلَا تُحِيطَ بِهِ، وَلِلُطْفِهِ وَخِبْرَتِهِ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَهُوَ الْعَظِيمُ فِي لُطْفِهِ، اللَّطِيفُ فِي عَظَمَتِهِ، الْعَالِي فِي قُرْبِهِ، الْقَرِيبُ فِي عُلُوِّهِ، الَّذِي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]- {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٣] . انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(الثَّانِيَةُ) : ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرَيْنَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَيْضًا مِنْهُمُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ وَابْنُ جَمَاعَةَ إِلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ أَيْضًا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا خِلَافُ التَّحْقِيقِ، فَإِنَّ النَّصَّ الصَّرِيحَ وَالْخَبَرَ الصَّحِيحَ يَرُدُّ هَذَا وَيُبْعِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَدْحَضُهُ وَيَطْرُدُهُ، فَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مَرْفُوعًا " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute