اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِي، فَأَجْتَهِدُ وَلَا آلُو، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ - (يَعْنِي: يَوْمَ قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ) .
وَأَضَلُّ كُلِّ رَأْيٍ وَأَبْطَلُهُ وَأَفْسَدُهُ وَأَعْطَلُهُ الرَّأْيُ الْمُتَضَمِّنُ لِتَعْطِيلِ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِالْمَقَايِيسِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي وَضَعَهَا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ، حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا قِيَاسَاتِهِمُ الْفَاسِدَةَ وَآرَائَهُمُ الْبَاطِلَةَ، وَشُبَهَهُمُ الدَّاحِضَةَ فِي رَدِّ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَالْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ، فَرَدُّوا لِأَجْلِهَا أَلْفَاظَ النُّصُوصِ الَّتِي وَجَدُوا السَّبِيلَ إِلَى تَكْذِيبِ رُوَاتِهَا وَتَخْطِئَتِهِمْ، وَحَرَّفُوا الْمَعَانِيَ الَّتِي لَمْ يَجِدُوا إِلَى رَدِّ أَلْفَاظِهَا سَبِيلًا، فَقَابَلُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ بِالتَّكْذِيبِ، وَالنَّوْعَ الثَّانِيَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، فَأَنْكَرُوا رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْكَرُوا كَلَامَهُ وَتَكْلِيمَهُ لِعِبَادِهِ، وَأَنْكَرُوا مُبَايَنَتَهُ لِلْعَالَمِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَعُمُومَ قُدْرَتِهِ، وَحَرَّفُوا النُّصُوصَ عَنْ مَوَاضِعِهَا، وَأَخْرَجُوهَا عَنْ مَعَانِيهَا وَحَقَائِقِهَا بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ زُبَالَةُ الْأَذْهَانِ، وَنُخَالَةُ الْأَفْكَارِ، وَعُصَارَةُ الْآرَاءِ، وَوَسَاوِسُ الصُّدُورِ، فَمَلَئُوا بِهِ الْأَوْرَاقَ سَوَادًا، وَالْقُلُوبَ شُكُوكًا، وَالْعَالَمَ فَسَادًا، فَكُلُّ مَنْ لَهُ مَسْكَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَدُرْبَةٌ مِنْ فَهْمٍ، يَعْلَمُ أَنَّ فَسَادَ الْعَالَمِ وَخَرَابَهُ إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْهَوَى عَلَى النَّقْلِ، وَمَا اسْتُحْكِمَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ الْفَاسِدَانِ فِي قَلْبٍ إِلَّا اسْتَحْكَمَ هَلَاكُهُ، وَلَا فِي أُمَّةٍ إِلَّا وَفَسَدَ أَمْرُهَا أَتَمَّ فَسَادٍ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأْيُ فُلَانٍ وَرَأْيُ فُلَانٍ وَرَأْيُ فُلَانٍ عِنْدِي سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي الْآثَارِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ آثَارُ ... نِعْمَ الْمَطِيَّةُ لِلْفَتَى الْأَخْبَارُ
لَا تَعْدُ عَنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ ... فَالرَّأْيُ لَيْلٌ وَالْحَدِيثُ نَهَارُ
وَلَرُبَّمَا جَهِلَ الْفَتَى طُرُقَ الْهُدَى ... وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَهَا أَنْوَارُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَحْسَنَ:
الْعِلْمُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُهُ ... قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ
مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً ... بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute