سُلَيْمَانَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ - يَعْنِي رُؤْيَةَ الْبَارِي جَلَّ شَأْنُهُ - سَمْعًا بُقُولِهِ تَعَالَى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] وَإِذَا جَازَتْ فِي الْآخِرَةِ جَازَتْ فِي الدُّنْيَا لِتَسَاوِي الْوَقْتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَوْتَى.
كَذَا قَالَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزَةٌ عَقْلًا، وَتُثْبِتُ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وُقُوعَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا لَمْ يُرَ سُبْحَانَهُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ بَاقٍ، وَالْبَاقِي لَا يُرَى بِالْفَانِي، فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ رُزِقُوا أَبْصَارًا بَاقِيَةً فَرَأَوُا الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْتِحَالَةُ الرُّؤْيَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا أَقْدَرَ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ ( «وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» ) وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنْ جَازَتِ الرُّؤْيَةُ فِي الدُّنْيَا عَقْلًا فَقَدِ امْتَنَعَتْ سَمْعًا، لَكِنْ مَنْ أَثْبَتَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ. كَذَا فِي الْفَتْحِ، قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهَا، وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، وَجَزَمَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِثْبَاتِهَا، وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِذَا ذُكِرَ لَهُ إِنْكَارُ عَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَالزُّهْرِيُّ وَصَاحِبُهُ مَعْمَرٌ وَآخَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَالِبِ أَتْبَاعِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ؟ وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَالْقَوْلَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: جَاءَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ، قَالَ: فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا، ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ» .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ - الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ ابْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute