إِلَى الْمُكَلَّفِينَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِهِمْ لِيُبَلِّغُوهُمْ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَيُبَيِّنُوا لَهُمْ عَنْهُ سُبْحَانَهُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ شَرَائِعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ عَلَيْهِمُ اخْتِصَاصًا كَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَاشْتِرَاكًا كَالتَّوْرَاةِ لِمُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَيَنْقَطِعَ عَنْهُمْ سَائِرُ التَّعَلُّلَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] وَقَوْلِهِ {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] فَلَوْلَا إِعْذَارُهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَةِ أَهْلِ خِيرَتِهِ مِنْ ذَوِي النُّبُوَّةِ وَالْفَضْلِ لَتَوَهَّمُوا أَنَّ لَهُمْ حَجَّةً سَائِغَةً وَمَعْذِرَةً بَالِغَةً لِوُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) : أَنْ يَقُولُوا: إِنَّمَا خَلَقَنَا رَبُّنَا لِعِبَادَتِهِ، وَمَا بَيَّنَ لَنَا الْعِبَادَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا مِنَّا مَا هِيَ، وَلَا كَمْ هِيَ، وَلَا كَيْفَ هِيَ.
(ثَانِيهَا) : أَنْ يَقُولُوا: قَدْ رَكَّبَنَا رَبُّنَا فِي هَيَاكِلَ وَأَجْسَامٍ تَقْبَلُ السَّهْوَ وَالْغَفْلَةَ، وَسَلَّطَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانَ وَالشَّهْوَةَ وَالْهَوَى، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَيِّدَنَا بِمَا إِذَا سَهَوْنَا نَبَّهَنَا، وَإِذَا مَالَ بِنَا الْهَوَى رَدَّنَا، وَإِذَا وَسْوَسَ إِلَيْنَا الشَّيْطَانُ مَنَعَنَا بِمَا يُرْشِدُنَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَذْكَارِ، وَغَيْرِهَا.
(ثَالِثُهَا) : أَنْ يَقُولُوا: هَبْ أَنَّا نَعْلَمُ بِعُقُولِنَا حُسْنَ الْإِيمَانِ وَقُبْحَ الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ لَكِنَّا لَمْ يَصِلْ إِدْرَاكُ عُقُولِنَا إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْقَبِيحَ عُذِّبَ مَعَ أَنَّا نُحِسُّ أَنَّ لَنَا فِي مُعَاطَاةِ الْقَبِيحِ لَذَّةً وَلَيْسَ عَلَى الْبَارِي فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ مَعَ إِدْرَاكِنَا بِعُقُولِنَا عَدَمَ الْعَوْدِ بِمَنْفَعَةٍ لَهُ تَعَالَى، فَلَا جَرَمَ تَقَاضَتْنَا الشَّهَوَاتُ، وَأَقْدَمْنَا عَلَى مَا فِيهِ لَنَا اللَّذَّاتُ.
فَإِرْسَالُ الرُّسُلِ لِمُعَاضَدَةِ الْعَقْلِ أَمْرٌ جَائِزٌ فِي حَقِّهِ، وَوَاجِبٌ وُقُوعًا وَسَمْعًا. يَزِيدُ هَذَا وُضُوحًا
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) : أَنَّ الرِّسَالَةَ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعِبَادِ لَا غِنًى لَهُمْ عَنْهَا، وَحَاجَتُهُمْ إِلَيْهَا فَوْقَ حَاجَتِهِمْ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ رُوحُ الْعَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ، فَأَيُّ صَلَاحٍ لِلْعَالَمِ إِذَا عُدِمَ الرُّوحَ وَالْحَيَاةَ وَالنُّورَ؟ وَالدُّنْيَا مُظْلِمَةٌ مَلْعُونَةٌ كُلُّهَا إِلَّا مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ شَمْسُ الرِّسَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مَا لَمْ تُشْرِقْ فِي قَلْبِهِ شَمْسُ الرِّسَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute