إِلَيْهِمْ وَأَشْعَرَ بِنَفْيِ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا تَكُونُ أُنْثَى نَبِيَّةً خِلَافًا لِأَهْلِ التَّوْرَاةِ الزَّاعِمِينَ بِنُبُوَّةِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَدْ خَالَفَ فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الذُّكُورِيَّةِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تَقْتَضِي الِاشْتِهَارَ بِالدَّعْوَةِ، وَالْأُنُوثَةُ تَقْتَضِي التَّسَتُّرَ وَتُنَافِي الِاشْتِهَارَ لِمَا بَيْنَ الِاشْتِهَارِ وَالِاسْتِتَارِ مِنَ التَّمَانُعِ، وَقَدْ حَكَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ عَلَى عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا فِي نُبُوَّةِ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَسَارَةَ وَهَاجَرَ وَأُمِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْمُهَا يُخَابَذُ بِنْتُ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ كَمَا قَالَ شَيْخُ السُّنَّةِ الْبَغَوِيُّ، وَالْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ النَّاجِيُّ: قُيِّدَ هَذَا الِاسْمُ (يُوخَابَذُ) عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ حَالَ قِرَاءَةِ التَّبْصِرَةِ عَلَيْهِ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ فَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّأْنِيثِ أَيْ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ. قُلْتُ: فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَرَأَيْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ يُوكَابَدُ بِكَافٍ بَدَلَ الْخَاءِ، وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّطْقُ بِالْكَافِ مُفَخَّمًا، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ جَلِيلَةٌ، وَرَأَيْتُ الْحَافِظَ جَلَالَ الدِّينِ السُّيُوطِيَّ ضَبَطَهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَبِنُونٍ بَدَلَ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا هُوَ فِي تَارِيخِ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ ((كَقُوَّةٍ)) أَيْ: كَمَا يُعْتَبَرُ فِيمَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا بِأَعْبَاءِ مَا حُمِّلَ مِنْ ثِقَلِ النُّبُوَّةِ، وَالْقُوَّةُ الطَّاقَةُ، وَالْجَمْعُ قُوًى بِالضَّمِّ وَبِالْكَسْرِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقُوَّةُ بِالضَّمِّ ضِدُّ الضَّعْفِ، يُقَالُ: قَوِيَ كَرَضِيَ فَهُوَ قَوِيٌّ، وَالْقُوَى بِالضَّمِّ الْعَقْلُ، وَطَاقَاتُ الْحَبْلِ. ذَا عَقْلٍ صَحِيحٍ، وَفَهْمٍ رَجِيحٍ، وَعِلْمٍ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ حَسَنَ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الْخَلْقِ فِي مُخَالَطَاتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ لِأُمُورِ الدِّيَانَةِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُنَزَّهَةٌ عَنْ جَمِيعِ الرَّذَائِلِ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَاللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، كَمَا أَنَّهُمْ مُبَرَّءُونَ مِنْ لُؤْمِ النَّسَبِ، وَشَرَهِ الْقَلْبِ، وَحِرْصِ النَّفْسِ عَلَى الدُّنْيَا، وَلِهَذَا لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي أَشْرَفِ مَنْسَبِ أُمَّتِهِ، فَلَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا مِنْ ذِي نَسَبٍ مَبْذُولٍ، كَمَا لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا عَبْدًا وَلَا لَئِيمًا، وَلَا امْرَأَةً لِعُلُوِّ مَرْتَبَةِ الذُّكُورَةِ عَلَى الْأُنُوثَةِ مَعَ طَلَبِ عَدَمِ الِاشْتِهَارِ مَعَ النِّسَاءِ الْمَطْلُوبِ لِلدَّعْوَةِ، وَلِكَوْنِ النُّفُوسِ مَائِلَةً فِي ذَوَاتِهِنَّ بِحَسَبِ الطَّبْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute