يَسْلُكَانِ أَوَّلًا عَلَى الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلَانِهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلَانِ إِلَى الْأَرْضِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: إِذَا قُلْنَا: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي السَّابِعَةِ تَعَيَّنَ أَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ سَقْفُهَا سِوَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) : الْمُسْتَوَى الَّذِي سَمِعَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيفَ الْأَقْلَامِ هُوَ الْمَصْعَدُ، وَقِيلَ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي، وَصَرِيفُ الْأَقْلَامِ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ هُوَ صَوْتُ حَرَكَةِ الْأَقْلَامِ، وَهُوَ جَرَيَانُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ فِيهِ مِنَ الْأَقْضِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْيِ، وَمَا يَنْسَخُونَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُرْفَعَ لِمَا أَرَادَهُ تَعَالَى مِنْ أَوَامِرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِصِحَّةِ كِتَابَةِ الْوَحْيِ وَالْمَقَادِيرِ فِي كُتُبِ اللَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِالْأَقْلَامِ الَّذِي هُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ جِنْسَهَا وَكَيْفِيَّتَهَا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَكُلُّ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ، نَعَمْ كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ وَجِنْسُهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَا يَتَأَوَّلُ هَذَا أَوْ يُحِيلُهُ إِلَّا ضَعِيفُ الْإِيمَانِ إِذْ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) : الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ كَانَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ وَحْدَهُ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ كَانَ هُوَ وَالْمِعْرَاجُ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَإِنَّمَا كَانَا يَقَظَةً بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ جَمِيعًا - لَا فِي الْمَنَامِ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي هُوَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى.
قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ غَيْرِ امْتِرَاءٍ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْقُرْآنُ نَصًّا، وَصَحِيحُ الْأَخْبَارِ إِلَى السَّمَاوَاتِ اسْتَفَاضَ اسْتِفَاضَةً تَكَادُ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ أَوْ بَلَغَتْهُ، وَلَا يُعْدَلُ عَنِ الظَّاهِرِ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا عَنِ الْحَقِيقَةِ الْمُتَبَادِرَةِ إِلَى الْأَذْهَانِ مِنْ أَلْفَاظِهَا إِلَى التَّأْوِيلِ إِلَّا عِنْدَ الِاسْتِحَالَةِ، وَتَعَذُّرِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَيْسَ ثَمَّ اسْتِحَالَةٌ تُؤْذِنُ بِالتَّأْوِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute