الْوَلِيُّ يَأْخُذُ عَنِ اللَّهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالنَّبِيُّ وَالرَّسُولُ يَأْخُذُ بِوَاسِطَةٍ، وَلِهَذَا جَعَلُوا مَا يُلْقَى فِي نُفُوسِهِمْ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ بَابِ الْمُخَاطَبَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمُكَاشَفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ أَعْظَمَ مِنْ تَكْلِيمِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إِيحَاءَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَوَسَاوِسُ نَفْسَانِيَّةٌ {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: ١٢١] ، وَلَوْ هُدُوا لَعَلِمُوا أَنَّ أَفْضَلَ مَا عِنْدَ الْوَلِيِّ مَا يَأْخُذُهُ عَنِ الرَّسُولِ، لَا مَا يَأْخُذُهُ عَنْ قَلْبِهِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْلِيَاءِ الصِّدِّيقُونَ وَأَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ هُوَ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ مَعَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مُحَدَّثًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» ". وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " «لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» "، وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» ".
وَمَعَ هَذَا فَالصِّدِّيقُ الَّذِي تَلَقَّى مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ، لِأَنَّ مَأْخَذَهُ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْمُحَدَّثُ لَيْسَ مَعْصُومًا بَلْ يَقَعُ لَهُ الصَّوَابُ وَالْخَطَأُ، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ أَنْ يَزِنَهُ بِمِيزَانِ النُّبُوَّةِ الْمَعْصُومَةِ.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: ٥٥] قَالَ: أَنْ يَسْأَلَ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى زَعْمِهِمْ مَا زَعَمُوا فِي خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَا حَقِيقَةَ لِفَضْلِهَا وَمَزِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَلَطًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَمُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ هُوَ آخِرُ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يَكُونُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْأَوْلِيَاءِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَفْضَلُ الْأَوْلِيَاءِ سَابِقُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا يَأْتِي، إِذِ الْأَوْلِيَاءُ يَسْتَفِيدُونَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا يَأْتِي، فَأَقَرَبُهُمْ إِلَى الرَّسُولِ أَفْضَلُهُمْ بِخِلَافِ خَاتَمِ الرُّسُلِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ بِالرِّسَالَةِ لَمْ يُحِلْهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَقِيَاسُ مُسَمَّى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي مَكَانٍ آخَرَ فِي التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ جَعَلَ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلَ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ: وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الرُّسُلَ جَمِيعَهُمْ وَالْأَنْبِيَاءَ يَسْتَفِيدُونَ عِلْمَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِشْكَاةِ الَّذِي جَعَلُوهُ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ، وَجَعَلُوهُ أَفْضَلَ مِنْ خَاتَمِ الرُّسُلِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْعِلْمِ بِهِ، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ عَنِ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute