للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ» . فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى.

وَأَمَّا ذِكْرُ خِلَافَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَقَدَّمَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ دَفْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَا لَا أُرِيدُهَا فَأَيُّكُمَا يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لِيَنْظُرْ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ.

فَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوكُمْ عَنْ أَفْضَلِكُمْ، قَالَا: نَعَمْ. فَخَلَا بِعَلِيٍّ وَقَالَ لَهُ: لَكَ مِنَ الْقِدَمِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَدْ عَلِمْتَ، اللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عَلَيْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.

ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ كَذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ مِيثَاقَهُمَا بَايَعَ عُثْمَانَ وَبَايَعَهُ عَلِيٌّ، وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَبْلَ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْهَا أَحَدٌ قَدْ خَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ نُبَايِعْكَ فَمَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ قَالَ: عَلِيٌّ. وَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ لَمْ نُبَايِعْكَ فَمَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ قَالَ: عُثْمَانُ، ثُمَّ دَعَا الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُ: مَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ فَأَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَلَا نُرِيدُهَا. فَقَالَ: عُثْمَانُ.

ثُمَّ اسْتَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَعْيَانَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَرَأَى هَوَى أَكْثَرُهُمْ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوا جَمِيعًا فَثَبَتَتْ بَيْعَةُ عُثْمَانَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا قَالَ: ((فَاتْرُكِ الْمِرَا)) أَيِ الْجِدَالَ وَالشَّكَّ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمِرْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الشَّكُّ وَالْجَدَلُ يُقَالُ مَارَاهُ مُمَارَاةً وَمِرَاءً وَامْتَرَى فِيهِ وَتَمَارَى شَكَّ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ» ". الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ وَالتَّمَارِي وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، كَمَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَتَقَدَّمَ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جُمْلَةِ مَنْ بَايَعَهُ وَقَدْ غَزَا مَعَهُ، وَكَانَ يُقِيمُ الْحَدَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ -، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ فَرْعٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>