أَقَلُّ مِنْ فَرْسَخٍ، وَهُوَ فِي شَمَالِهَا إِلَى الشَّرْقِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُحُدٍ لَمَّا بَدَا لَهُ: " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» ". وَتَكَرَّرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلُ مَرَّاتٍ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: " «أُحُدٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْجَنَّةِ» ".
قَالَ يَاقُوتُ: أُحُدٌ اسْمٌ مُرْتَجَلٌ لِهَذَا الْجَبَلِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: سُمِّيَ أُحُدًا لِتَوَحُّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخَرَ هُنَاكَ، أَوْ لِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ نُصْرَةِ التَّوْحِيدِ، وَلَا أَحْسَنَ مِنَ اسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ، وَأَهْلُهُ هُمُ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التَّوْحِيدَ، وَالْمَبْعُوثُ بِدِينِ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُ اسْتَقَرَّ حَيًّا وَمَيِّتًا.
إِذَا عَلِمَتْ هَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ مُتَكَلِّمِي الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ أَهْلَ غَزْوَةِ أُحُدٍ يَلُونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَهْلِ غَزْوَةِ أُحُدٍ بَعْدَ انْخِزَالِ ابْنِ أُبَيٍّ سَبْعَمِائَةٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَعِدَّةُ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ رَجُلًا، مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُمْ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ وَمُصْعَبٌ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ جَحْشٍ وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَثَقِفَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ شُهَدَاءُ أُحُدٍ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ فَتَفَطَّنْ لَهُ. فَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " «مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا: يَا لَيْتَ لَنَا مُخْبِرًا يُخْبِرُ إِخْوَانَنَا بِالَّذِي صِرْنَا إِلَيْهِ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا، فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنَا رَسُولُكُمْ إِلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: ١٦٩]- إِلَى قَوْلِهِ - {لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧١] » . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute