كَرَامَاتُ التَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا هُوَ طَافِحٌ وَمَشْهُورٌ، لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَإِنْكَارُهُ فِي غَلَبَةِ الْبَيَانِ وَالظُّهُورِ.
وَلِذَا قَالَ لِمَنِ انْتَحَلَ الْمُحَالَ ((يَا شَقَا أَهْلِ الزَّلَلِ)) بِمَا ارْتَكَبُوهُ، وَيَا خَسَارَتَهُمْ لِمَا انْتَحَلُوا مِنْ رَدِّ الْمَحْسُوسِ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلْبُرْهَانِ بِوَسَاوِسِ النُّفُوسِ، وَمُكَابَرَتِهِمْ لِإِنْكَارِ الْعِيَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ وَالْهَوَسِ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ كَرَامَةَ الْوَلِيِّ وَظُهُورَ الْخَارِقِ عَلَى يَدِهِ مِنْ (حَيْثُ) كَوْنُهُ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ مُعْجِزَةً لِلرَّسُولِ الَّذِي ظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَرَامَةُ لِوَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِهِ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِتِلْكَ الْكَرَامَةِ أَنَّهُ وَلِيٌّ وَلَنْ يَكُونَ وَلِيًّا إِلَّا بِكَوْنِهِ مُحِقًّا فِي دِيَانَتِهِ، وَدِيَانَتُهُ هِيَ الْإِقْرَارُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالِانْقِيَادُ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ الْمَتْبُوعُ وَرَسُولُهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَإِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرُّجُوعُ، وَالطَّاعَةُ لِأَوَامِرِهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ زَوَاجِرِهِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ، حَتَّى لَوِ ادَّعَى هَذَا الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ الْكَرَامَةُ الِاسْتِقْلَالَ بِنَفْسِهِ وَعَدَمَ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَلَمْ يَظْهَرِ الْخَارِقُ عَلَى يَدِهِ، وَلَوْ فُرِضَ ظُهُورُهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ مُعْجِزَةٌ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ آحَادِ أُمَّتِهِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ كَرَامَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ دَعْوَى نُبُوَّةِ مَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ، فَالنَّبِيُّ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا، وَمِنْ قَصْدِ إِظْهَارِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَ بِوِلَايَتِهِ وَيَسْتُرَ كَرَامَتَهُ وَيُسِرَّهَا، وَيَجْتَهِدَ عَلَى إِخْفَاءِ أَمْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) وَافَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ وَمَنْ نَحَا مَنْحَاهُ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي جَوَازِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَوُقُوعِهَا.
(الثَّانِي) يَجُوزُ فِي الْكَرَامَاتِ أَنْ تَقَعَ بِسَائِرِ وُجُوهِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَلَوْ كَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً وَكَوُجُودِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، لَا بِمِثْلِ مَا اخْتُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ وَأَخَصُّ الْآيَاتِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْكَرَامَاتُ تُخْتَصُّ بِمِثْلِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَإِنْكَارٌ لِلْحِسِّ بَلِ الصَّوَابُ جَرَيَانُهَا حَتَّى فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ.
(الثَّالِثُ) الْوِلَايَةُ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ وَلَا يَصِلُ الْوَلِيُّ مَا دَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute