للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِيكَائِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالْمُقَرَّبِينَ، وَلَكِنِّي أُفَضِّلُ عَلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءَ بَنِي آدَمَ، وَهُمْ مَنْ عَدَا الْمُقَرَّبِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ السَّيَّاحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ خَيْرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ سَاوَوْهُمْ فِي الْعِبَادَةِ، وَفُضِّلُوا بِالْقُرْبِ وَالرِّسَالَةِ وَسَمَاعِ الْكَلَامِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي شَرَّفَ بِسَمَاعِهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الرُّتْبَةُ عَظِيمَةٌ لِمَنْ عَقَلَهَا، وَفَارَقَ الْأَنْبِيَاءَ لِأَنَّهُمْ فَضَلُوهُمْ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَمُعَانَاةِ الْأُمَمِ وَالتَّعْلِيمِ وَجَعْلِ الْمَلَائِكَةِ خَدَمًا لَهُمْ، وَلِأَنَّ فِي قَوْلِنَا بِأَنَّ صَالِحًا مِنْ بَنِي آدَمَ خَيْرٌ مِنْ جِبْرِيلَ شَنَاعَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْنَا مِنْ حَيْثُ سَوَّيْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُتْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ جَلَالَةِ جِبْرِيلَ وَعَظَمَتِهِ وَشَرَفِهِ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ سَفِيرُ الرَّحْمَنِ وَحَامِلُ وَحْيِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ.

ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْعُمُومِ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ قَالَ: " أَوْسِعُوا لِمَنْ خَلْفَكُمْ ". فَقُلْنَا: وَلِمَنْ نُوَسِّعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لِلْمَلَائِكَةِ إِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مَعَكُمْ لَمْ يَكُونُوا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَلَا مِنْ خَلْفِكُمْ وَإِنَّمَا يَكُونُونَ عَنْ أَيْمَانِكُمْ وَشَمَائِلِكُمْ ". قَالُوا: مِنْ فَضْلِنَا عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ فَضْلِهِمْ عَلَيْنَا؟ قَالَ: " أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْهُمْ» . وَأَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ» . وَأَيْضًا اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ» . وَلَا يُبَاهِي إِلَّا بِالْأَفْضَلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ جِبْرِيلَ افْتَخَرَ بِأَنْ يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ الْكِسَاءِ، وَكَانَ تَحْتَهُ فَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. انْتَهَى.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ فَمَوْضُوعٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ فَضْلًا عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَمِمَّنْ حَكَمَ بِوَضْعِهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ بِاخْتِصَارٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ قَالُوا: مِنْ فَضْلِنَا عَلَيْهِمْ إِلَخْ وَحَكَمَ بِوَضْعِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ» . فَالْمَعْرُوفُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ بَعْضِ مَلَائِكَتِهِ» . كَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَحَدِيثُ الْمُنَاهَاةِ لَا يَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>