للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَا فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ ((أَنْ يَأْمَنَا)) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَخَفْ سَوْطًا وَلَا عَصًا وَلَا أَذًى وَلَا فِتْنَةً تَزِيدُ عَلَى الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ إِذَا زَادَتْ وَجَبَ الْكَفُّ، وَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الْإِنْكَارُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَأْمُرُ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوعِ، فَإِنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ لَا يَغْضَبُ فَيَكُونُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَصِرَ. وَلِهَذَا قَالَ: " فَاصْبِرْ " عَلَى الْأَذَى مِمَّنْ تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ وَلَا تَغْضَبْ لِنَفْسِكَ، بَلْ لِلَّهِ، (وَزُلِ) الْمُنْكَرَ وَغَيْرَهُ مِنْ زَالَهُ عَنْ مَكَانِهِ يُزِيلُهُ زَيْلًا وَإِزَالَةً وَإِزَالًا ((بِالْيَدِ)) وَهُوَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِنْكَارِ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ كَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ، وَكَسْرِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ وَنَحْوِهِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ، ((وَ)) غَيْرُ الْمُنْكَرِ بِـ ((اللِّسَانِ)) حَيْثُ لَمْ تَسْتَطِعْ تَغْيِيرَهُ بِالْيَدِ بِأَنْ تَعِظَهُ وَتُذَكِّرَهُ بِاللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ وَتُوَبِّخَهُ وَتُعَنِّفَهُ مَعَ لِينٍ وَإِغْلَاظٍ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ بِالرِّفْقِ وَالسِّيَاسَةِ بِأَزْيَدَ وَأَتَمَّ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْعُنْفِ وَالرِّيَاسَةِ، كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ رَآهُ مُتَكَشِّفًا فِي نَحْوِ حَمَّامٍ: اسْتُرْ سَتَرَكَ اللَّهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ((لِمُنْكَرٍ)) مُتَعَلِّقٌ بِزُلْ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ زُلْ " ذُدْ " أَيِ اطْرُدْ وَامْنَعْ لِلْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، ((وَاحْذَرْ)) مِنَ النُّزُولِ عَنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَى أَنْ تُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ إِلَى أَوْسَطِهَا وَهُوَ الْإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ إِلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَسُوغُ لَكَ الْعُدُولُ عَنِ التَّغْيِيرِ لِلْمُنْكَرِ بِاللِّسَانِ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَى الْإِنْكَارِ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ لَا بِيَدِكَ وَلَا بِلِسَانِكَ فَاعْدِلْ إِلَى الْإِنْكَارِ بِقَلْبِكَ وَهُوَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، فَلِذَا حَذَّرَ ((مِنَ النُّقْصَانِ)) .

وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَغَيَّرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِلِسَانِهِ فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>