التَّرْوِيقُ التَّصْفِيَةُ وَالرِّوَاقُ الْمِصْفَاةُ وَالرِّيقُ تَرَدُّدُ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الضِّحْضَاحِ وَالرَّائِقُ الْخَالِصُ، وَ ((الْأَوْقَاتُ)) جَمْعُ وَقْتٍ وَهُوَ الْمِقْدَارُ مِنَ الدَّهْرِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَاضِي، وَالْمِيقَاتُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْمَضْرُوبِ لِلْفِعْلِ، وَفِي نُسْخَةٍ مَا رَاقَتِ الْأَيَّامُ بَدَلَ الْأَوْقَاتِ جَمْعُ يَوْمٍ، وَالْمُرَادُ مَا خَلَصَتْ وَصَفَتِ الْأَحْوَالُ جَمْعُ حَالٍ الْوَاقِعَةُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْحَاصِلَةُ فِي الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، وَالْحَالُ كُنْهُ الْإِنْسَانِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَالْحَالَةِ وَيُرَادُ بِالْحَالِ الْهَيْئَةُ وَمِنْهُ تَغَيَّرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، ((وَ)) مَا رَاقَتْ ((الدُّهُورُ)) جَمْعُ دَهْرٍ وَهُوَ الزَّمَانُ الطَّوِيلُ وَالْأَمَدُ الْمَمْدُودُ وَقَدْ يُعَدُّ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالْمُرَادُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالَّذِي عَدَّهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى نَظَرَ إِلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ". وَإِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» ". قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ: أَنَا صَاحِبُ الدَّهْرِ وَمُدَبِّرُ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْسِبُونَهَا إِلَى الدَّهْرِ فَمَنْ سَبَّ الدَّهْرَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَادَ بِسَبِّهِ إِلَى رَبِّهِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهَا، وَإِنَّمَا الدَّهْرُ زَمَانٌ جُعِلَ ظَرْفًا لِمَوَاقِعِ الْأُمُورِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ إِذَا أَصَابَهُمْ مَكْرُوهٌ أَضَافُوهُ لِلدَّهْرِ، فَقَالُوا: بُؤْسًا لِلدَّهْرِ وَتَبًّا لِلدَّهْرِ.
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: مَنْ نَسَبَ سَيِّئًا مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَى الدَّهْرِ حَقِيقَةً كَفَرَ، وَمَنْ جَرَى هَذَا اللَّفْظُ عَلَى لِسَانِهِ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ شَنَّ الْغَارَةَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى مَنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى الدَّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ظَاهِرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ مِنْهَا صَيْدُ الْخَاطِرِ. وَغَلَّطَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الدَّهْرَ مُدَّةُ زَمَانِ الدُّنْيَا، وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ أَمَدُ مَفْعُولَاتِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِعْلُهُ لِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ. وَقَدْ تَمَسَّكَ الْجَهَلَةُ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي الْعِلْمِ، لِأَنَّ الدَّهْرَ عِنْدَهُمْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ وَأَمَدُ الْعَالَمِ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ وَلَا صَانِعَ سِوَاهُ. وَكَفَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: " «أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ» ". فَكَيْفَ يُقَلِّبُ الشَّيْءُ نَفْسَهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّنْعَةَ فَقَدْ سَبَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute