(فَـ) إِنَّهُمْ: أَيِ الْأَثَرِيَّةَ مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، (أَثْبَتُوا النُّصُوصَ) الْقُرْآنِيَّةَ وَالْأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ، مُتَمَسِّكِينَ (بِالتَّنْزِيهِ) لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، (مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ) لِلصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَهُوَ نَفْيُهَا عَنْهُ - تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُعَطِّلِينَ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَصِفَاتِهِ إِلَّا مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْمَخْلُوقِ، ثُمَّ شَرَعُوا فِي نَفْيِ تِلْكَ الْمَفْهُومَاتِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ، فَمَثَّلُوا أَوَّلًا وَعَطَّلُوا آخِرًا، فَهَذَا تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ مِنْهُمْ لِلْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ - تَعَالَى - بِالْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَاءِ خَلْقِهِ وَصِفَاتِهِمْ، فَعَطَّلُوا مَا يَسْتَحِقُّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ اللَّائِقَةِ بِهِ - عَزَّ وَجَلَّ، بِخِلَافِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَجِلَّاءِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ (وَلَا تَشْبِيهٍ) ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] ، فَرَدَّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ بِنَفْيِ الْمِثْلِيَّةِ، وَرَدَّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] ، وَاعْلَمْ أَنَّ قُدَمَاءَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ هِيَ الْمُشَاكَلَةُ فِي أَخَصِّ صِفَاتِ النَّفْسِ، فَمُمَاثَلَةُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو عِنْدَهُمْ مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُ فِي النَّاطِقِيَّةِ فَقَطْ، وَذَهَبَ الْمَاتُرِيدِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ هِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ، كَالْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو. قَالُوا: وَمِنْ لَازِمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، وَثَانِيهَمَا أَنْ يَسُدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا مَسَدَّ الْآخَرِ، وَيَنُوبَ الْآخَرُ مَنَابَهُ، فَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ الْمِثْلَانِ مَوْجُودَانِ مُشْتَرِكَانِ فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute