للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نسختها آية الميراث، فجعل لكل إنسان نصيبه مما تَرك الوالدان والأقربون -مما قل منه أو كثر -[نصيبا مفروضا] (١)

وحدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا سعيد بن عامر، عن همام، حدثنا (٢) قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنها منسوخة، كانت قبل الفرائض، كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حَضروا القسمة، ثم نسخ بعد ذلك، نسختها المواريث، فألحق الله بكل ذي حَق حقه، وصارت الوصية من ماله، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء.

وقال مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: هي منسوخة، نسختها المواريث والوصية.

وهكذا روي عن عكرمة، وأبي الشعثاء، والقاسم بن محمد، وأبي صالح، وأبي مالك، وزيد ابن أسلم، والضحاك، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حَيَّان، وربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنهم قالوا: إنها (٣) منسوخة. وهذا مذهب جُمْهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم.

وقد اختار ابن جرير هاهنا قولا غريبا جدًا، وحاصله: أن معنى الآية عنده (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي: وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ) لليتامى والمساكين إذا حضروا (قَوْلا مَعْرُوفًا) هذا مضمون ما حاوله بعد طُول العبارة والتكرار، وفيه نظر، والله أعلم.

وقد قال العَوْفي عن ابن عباس: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) وهي قسمة الميراث. وهكذا قال غير واحد، والمعنى على هذا لا على ما سلكه أبو جعفر بن جرير، ، بل المعنى: أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يَرثون، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتوق (٤) إلى شيء منه، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون لا شيء يعطون، فأمر الله تعالى -وهو الرءوف الرحيم -أن يُرضَخ لهم شيء من الوسَط يكون برا بهم (٥) وصدقة عليهم، وإحسانا إليهم، وجبرا لكسرهم. كما قال الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وذم الذين ينقلون المال (٦) خفية؛ خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة، كما أخبر عن أصحاب الجنة ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧] أي: بليل. وقال: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ [القلم: ٢٣، ٢٤] ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠] فمن جَحَد حق الله عليه عاقبه (٧) في أعز ما يملكه؛ ولهذا جاء في الحديث: "ما خالطت الصَّدَقَةُ مالا إلا أفسدته" (٨) أي: منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية


(١) زيادة من جـ، أ.
(٢) في جـ، أ: "عن".
(٣) في أ: "هي".
(٤) في جـ، ر، أ: "تتشوق".
(٥) في أ: "لهم".
(٦) في جـ: "يشتغلون بالمال"، وفي ر، أ: "يستغلون المال".
(٧) في أ: "عاقبه الله".
(٨) رواه البزار في مسنده برقم (٨٨١) "كشف الأستار" من حديث عائشة، وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ٦٤): "فيه عثمان الجمحي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به".