للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الهجرة، وترغيب في مفارقة المشركين، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه، و "المراغم" مصدر، تقول العرب: راغم فلان قومه مراغما ومراغمة، قال نابغة (١) بني جعدة (٢).

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكَانِه … عَزيز المُرَاغَم وَالْمَهْربِ

وقال ابن عباس: "المراغَم": التحول من أرض إلى أرض. وكذا رُوي عن الضحاك والربيع بن أنس، الثوري، وقال مجاهد: (مُرَاغَمًا كَثِيرًا) يعني: متزحزحا عما يكره. وقال سفيان بن عيينة: (مُرَاغَمًا كَثِيرًا) يعني: بروجا.

والظاهر -والله أعلم-أنه (٣) التمنّع الذي يُتَحصَّن به، ويراغم به الأعداء.

قوله: (وَسَعَةً) يعني: الرزق. قاله غير واحد، منهم: قتادة، حيث قال في قوله: (يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) إي، والله، من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى.

وقوله: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي: ومن خرج من منزله بنية الهجرة، فمات في أثناء الطريق، فقد حصل له من (٤) الله ثواب من هاجر، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري (٥) عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وَقّاص الليثي، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (٦).

وهذا عام في الهجرة وفي كل الأعمال. ومنه الحديث الثابت في الصحيحين (٧) في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نَفْسًا. ثم أكمل بذلك العابد المائة، ثم سأل عالما: هل له من توبة؟ فقال: ومن يَحُول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه، فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الآخر، أدركه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال هؤلاء: إنه جاء تائبا. وقال هؤلاء: إنه لم يَصِلْ بَعْدُ. فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما (٨) كان أقرب كان (٩) منها، فأمر الله هذه أن يُقرب (١٠) من هذه، وهذه أن تبعد (١١) فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بِشِبْر، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية: أنه لما جاءه


(١) في أ: "نابغة في بني جعدة.
(٢) البيت في تفسير الطبري (١٠/ ١١٢) واللسان مادة (رغم).
(٣) في أ: "أن المراغم هو".
(٤) في أ: "عند".
(٥) في أ: "القطان".
(٦) صحيح البخاري برقم (١، ٥٤) وصحيح مسلم برقم (١٩٠٧) وسنن أبي داود برقم (٢٢٠١) وسن الترمذي برقم (١٦٤٧)، وسنن النسائي (١/ ٥٩) وسنن ابن ماجه برقم (٤٢٢٧) ومسند أحمد (١/ ٢٥) ومسند الحميدي (١/ ١٦) ومسند الطيالسي (٢/ ٢٧) "منحة المعبود".
(٧) صحيح البخاري برقم (٣٤٧٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٦٦).
(٨) في د، ر: "أيها"، وفي أ: "أيهما".
(٩) في د، ر: "فهو".
(١٠) في د: "تقترب"، وفي ر: "تقرب".
(١١) في د: "تبتعد".