للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكِتَابِ اللَّهِ لِي وعَليّ. وَقَالَ الزَّوْجُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَرْضَى بِكِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَكَ وَعَلَيْكَ.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، بِهِ (١) .

وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إِلَيْهِمَا الْجَمْعُ وَالتَّفْرِقَةُ، حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنْ شَاءَ الْحَكَمَانِ أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ أَوْ بِطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَعَلَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْحَكَمَانِ يُحَكَّمَانِ فِي الْجَمْعِ وَلَا يُحَكَّمَانِ فِي التَّفْرِيقِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، وَمَأْخَذُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} وَلَمْ يُذْكَرِ التَّفْرِيقَ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَا وَكِيلَيْنِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُمَا (٢) فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بِلَا خِلَافٍ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الْحُكْمَيْنِ: هَلْ هُمَا مَنْصُوبَانِ مِنْ عِنْدِ الْحَاكِمِ، فَيَحْكُمَانِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ، أَوْ هُمَا وَكِيلَانِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فَسَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهَذَا (٣) ظَاهِرُ الْآيَةِ، والجديدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.

الثَّانِي مِنْهُمَا، بِقَوْلِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِلزَّوْجِ -حِينَ قَالَ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا-قَالَ: كَذَبْتَ، حَتَّى تُقِرَّ بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ، قَالُوا: فَلَوْ كَانَا حَاكِمَيْنِ لَمَا افْتَقَرَ إِلَى إِقْرَارِ الزَّوْجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ -إِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا-فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا نَافِذٌ فِي الْجَمْعِ وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا الزَّوْجَانِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُنَفَّذُ قَوْلُهُمَا فِي التَّفْرِقَةِ؟ ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُنَفَّذُ قَوْلُهُمَا فِيهَا (٤) أَيْضًا (٥) .

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (٣٦) }

يَأْمُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ وَالْحَالَاتِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: "أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ (٦) ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ يَعْبدُوهُ ولا


(١) تفسير عبد الرزاق (١/١٥٦) وتفسير الطبري (٨/٣٢٠، ٣٢١) .
(٢) في أ: "حكماها".
(٣) في أ "هو".
(٤) في ر: "فيه"، وفي أ: "قولهما فيها منه من غير توكيل".
(٥) الاستذكار لابن عبد البر (١٨/١١١) .
(٦) في أ: "عبادة".

<<  <  ج: ص:  >  >>